في قلب المواجهة… هل نشهد بداية حرب باردة رقمية؟
دبي: سعيد ودغيرى حسني
لاحظت وأنا أتصفح المواقع والصحف العالمية اهتمامًا كبيرًا بالبرنامج الصيني الجديد DeepSeek، الذي ليس مجرد مشروع ذكاء اصطناعي بل نقطة تحول في سباق التكنولوجيا العالمي. دفعني هذا الاهتمام إلى البحث والتعمق في أبعاده المختلفة حتى أتمكن من تبسيط محتواه وأهدافه وانعكاساته على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص. وأتمنى أن أكون قد وُفِّقت ولو جزئيًا في إلقاء الضوء على هذا الموضوع، أو على الأقل أن أكون سببًا في تحفيز أصحاب الاختصاص لتقديم المزيد من التوضيحات.
DeepSeek… حين يتكلم الذكاء الاصطناعي بالصينية
قبل سنوات كانت الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي أمرًا شبه محسومًا بفضل تفوق شركات مثل OpenAI وGoogle وMeta. لكن الصين لم تكن لتقف متفرجة بل استثمرت بشكل ضخم في هذا المجال حتى جاء DeepSeek ليشكل محطة فارقة في هذا السباق. هذا البرنامج الذي طورته العقول الصينية يتميز بقدرات لغوية وتوليدية متقدمة تجعله منافسًا شرسًا للنماذج الغربية مثل ChatGPT وGemini.
تأثير DeepSeek على الأسواق المالية الأمريكية
أثار ظهور DeepSeek قلقًا كبيرًا في الأسواق المالية الأمريكية خاصة في قطاع التكنولوجيا. بعد إعلان الشركة عن تطوير نموذجها الجديد، شهدت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى تراجعًا ملحوظًا. على سبيل المثال، تراجعت أسهم إنفيديا بنسبة 8.93%، مما أدى إلى انخفاض قيمتها السوقية بمقدار 589 مليار دولار في يوم واحد. كما شهدت أسهم مايكروسوفت وأبل وميتا انخفاضات مماثلة، مما أثار تساؤلات حول قدرة الشركات الأمريكية على الحفاظ على هيمنتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
ردود فعل المحللين على ظهور DeepSeek
أعرب المحللون عن قلقهم من قدرة DeepSeek على تقديم أداء مماثل لنماذج الذكاء الاصطناعي الغربية بتكلفة أقل، مما قد يضغط على الشركات الأمريكية لتبرير خطط الإنفاق الرأسمالي المتزايدة. وأشاروا إلى أن هذا التطور قد يؤدي إلى مسار أقل لإيرادات مراكز البيانات ونمو الأرباح، خاصة إذا كانت النماذج الأصغر حجمًا قادرة على العمل بشكل جيد.
هل نحن أمام حرب باردة رقمية؟
إذا كانت الحرب الباردة في القرن العشرين قد قامت على سباق التسلح النووي والتنافس الإيديولوجي، فإن الحرب الباردة الجديدة ستكون رقمية حيث سيتحدد مستقبل القوى العظمى بناءً على من يملك الأدوات الأكثر تقدمًا في الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة والتكنولوجيا الكمومية.
الصين عبر DeepSeek وغيره من المشاريع تضع نفسها في موقع يسمح لها بإعادة تشكيل المشهد الرقمي العالمي بعيدًا عن سيطرة الشركات الأمريكية. في المقابل، واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي، فقد شهدنا سابقًا كيف فرضت قيودًا على شركات التكنولوجيا الصينية مثل Huawei وTikTok، ومن المتوقع أن تتزايد الضغوط على الشركات الصينية العاملة في الذكاء الاصطناعي.
ماذا بعد؟
بينما يترقب العالم تطورات هذا السباق، يظل السؤال الأهم: هل سيتمكن DeepSeek من تحقيق ثورة في الذكاء الاصطناعي تُغير قواعد اللعبة؟ أم أنه مجرد حلقة في سلسلة من المنافسة المتواصلة؟
في كلتا الحالتين، يبدو أننا نشهد بداية عصر جديد، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرًا على الغرب، بل أصبح أداة استراتيجية في يد قوى أخرى، تقودها الصين، لرسم مستقبل التكنولوجيا العالمية.
دعوة للباحثين المغاربة
إن هذا الموضوع، الذي يلامس قلب التطورات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، يستحق أن يحظى باهتمام أكبر من الباحثين والمختصين في المغرب. أود أن أوجه دعوة للجميع، من أساتذة، باحثين، وصحفيين، لتسليط الضوء على هذا التحول الرقمي الجديد الذي قد يكون له تأثيرات عميقة على مستقبلنا. يمكننا أن نرى، في هذه اللحظة التاريخية، فرصة كبيرة لنفتح حوارًا معمقًا حول هذه المسائل في وسائل الإعلام المغربية.
لماذا لا نضع مثل هذه الموضوعات في الواجهة من خلال برامج حوارية، موائد مستديرة على القنوات التلفزيونية، وفي الصحف المحلية؟ لقد حان الوقت لنبين للجمهور العام، ليس فقط تأثيرات هذه التطورات على العالم، بل أيضًا كيف يمكن للمغرب أن يتفاعل مع هذا التحول الرقمي الكبير. التوعية وفتح النقاش حول هذه المواضيع يمكن أن يساعد في تشكيل المستقبل الذي نطمح له.