بسبب الإحتكار والمضاربة … الغلاء يثقل كاهل الأسر المغربية خلال رمضان
الضغوط الاقتصادية على الأسر المغربية
بالنسبة لمعظم الأسر المغربية، تصبح قفة رمضان عنصراً أساسياً في الحياة اليومية خلال الشهر الفضيل. فهي ليست مجرد سلة غذائية، بل تمثل حجر الزاوية لإعداد الوجبات الرئيسية في اليوم. ولكن، في السنوات الأخيرة، أصبحت تكلفة هذه القفة تمثل عبئاً مالياً هائلًا، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. فقد تجاوزت تكاليف قفة رمضان قدرة العديد من الأسر على التحمل، حيث يتراوح سعر قفة رمضان اليومية للأسرة المكونة من أربعة أفراد ما بين 100 و300 درهم، مما يعني أن ميزانية الشهر قد تصل إلى 3000 درهم بالنسبة للأسرة الفقيرة، بل قد تتجاوز 5000 درهم للأسر المتوسطة.
أسباب غلاء الأسعار: الاحتكار والمضاربة
من أبرز أسباب هذا الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية هي ممارسات الاحتكار والمضاربة التي يقوم بها التجار والموزعون في أسواق الجملة. ففي الوقت الذي يعرف فيه شهر رمضان ارتفاعاً هائلًا في الطلب على السلع الغذائية، يستغل تجار الجملة هذه الفرصة لرفع الأسعار، متجاهلين القدرات الشرائية للأسر المغربية. يتمثل الجزء الأكبر من المشكلة في ظاهرة الوسطاء الذين يضيفون هوامش ربح ضخمة على الأسعار، حيث قد يتراوح الفرق بين أسعار الجملة وأسعار البيع للمستهلك ما بين درهمين إلى خمسة دراهم لكل كيلوغرام من المنتجات.
في هذا السياق، أكد نشطاء، أن “الغلاء المستمر في أسعار المواد الغذائية منذ عام 2022 يعكس خللاً كبيراً في تنظيم السوق الداخلي”. وطالب الحكومة بضرورة تفعيل إجراءات رقابية فعالة ومؤسسات لحماية المستهلك، على غرار دول أخرى مثل أمريكا وفرنسا، لضبط الأسعار وحماية الأسر المغربية من استغلال التجار.
تأثير الغلاء على السلوك الاستهلاكي للأسر المغربية
رمضان الذي يُفترض أن يكون شهراً للتقوى والتضامن الاجتماعي، أصبح الآن يحمل عبئًا ماليًا غير محتمل للأسر، خصوصاً ذوي الدخل المحدود. فالعديد من الأسر أضحت مضطرة لتغيير عاداتها الاستهلاكية بشكل جذري. فبدلاً من شراء قفة رمضان كاملة كل يوم، أصبح البعض يقتصر على شراء قفة بسيطة كل يومين أو ثلاثة أيام. وقد امتنع العديد من الأسر عن إعداد بعض الأطعمة الرمضانية التقليدية مثل “السفوف” و”الشباكية” و”البريوات” بسبب غلاء أسعار المواد اللازمة لإعدادها. حتى الوجبات الأساسية، مثل الدجاج واللحم والخضروات، أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على ميزانية الأسر.
و “شهر رمضان أصبح مناسبة استهلاكية بامتياز، مما يزيد من العبء على الأسر المغربية التي تجد نفسها مضطرة لتقليص مشترياتها. كما أن أسعار الخضر والفواكه واللحوم تشهد زيادات تتجاوز قدرة العديد من الأسر على التحمل.”
أسعار المواد الأساسية: تحدي مستمر
أسعار المواد الغذائية الأساسية تتفاوت بشكل كبير، مما يزيد من صعوبة تحديد ميزانية ثابتة لشهر رمضان. أسعار اللحوم الحمراء تتراوح بين 90 و110 دراهم للكيلوغرام، بينما يتراوح سعر الدجاج بين 17 و19 درهماً للكيلوغرام. أما أسعار الأسماك، فهي لا تقل ضراوة، حيث تتراوح ما بين 80 درهماً إلى 200 درهم وأكثر. كذلك، ارتفعت أسعار الخضر بشكل غير مسبوق، حيث تراوحت أسعار بعض الخضروات مثل الطماطم والجزر بين 12 و13 درهماً للكيلوغرام، بينما وصلت أسعار البطاطس إلى 5 دراهم للكيلوغرام.
أما بالنسبة للأسواق الشعبية وأسواق القرب، فقد باتت هي الأخرى تشهد زيادات كبيرة في الأسعار، حيث يواجه المواطنون صعوبة كبيرة في مواجهة هذه الزيادات التي أثرت بشكل مباشر على القفة الرمضانية.
التبذير: ظاهرة مقلقة في رمضان
من الظواهر المقلقة التي تظهر بشكل كبير خلال شهر رمضان، هي ظاهرة التبذير في استهلاك المواد الغذائية. ففي الوقت الذي يعاني فيه الكثير من المغاربة من صعوبة الحصول على قفة رمضان، تشير الدراسات إلى أن حوالي 25% من المواد الغذائية يتم التخلص منها بعد الإفطار بسبب سوء التخزين أو عدم الاستخدام. هذه الظاهرة تزيد من الضغط على الأسر، وتدعم الحاجة الملحة لتغيير ثقافة الاستهلاك والترشيد في استهلاك الطعام، وهو ما تحاول بعض الجمعيات التوعية به في إطار حملات توعوية.
دور الحكومة في تنظيم السوق
في هذا الإطار، فإن دور الحكومة في تنظيم السوق وحماية المستهلك أصبح أكثر من ضروري. ومع ارتفاع الأسعار في شهر رمضان، يُطالب المواطنون بتنظيم أفضل للسوق، خاصة فيما يتعلق بالرقابة على الأسعار وتوفير آليات لحماية المستهلك من ممارسات الاحتكار. كما أن الحكومة مطالبة بتفعيل لجان رقابية على الأرض، للتأكد من جودتها والأسعار المعروضة للمستهلكين.
مستقبل قفة رمضان في ظل الأزمة الاقتصادية
إذا استمر الوضع على حاله، فإن قفة رمضان قد تصبح بعيدًا عن متناول غالبية الأسر المغربية. من المتوقع أن يظل غلاء الأسعار يشكل تحدياً كبيراً في السنوات القادمة، خاصة مع استمرار الأزمات الاقتصادية والتجارية التي تعيشها البلاد. وفي هذا السياق، يجب على الحكومة والسلطات المحلية اتخاذ تدابير جذرية لتخفيف الضغط على الأسر، وتوفير آليات تنظيمية تمنع الاستغلال المفرط للظروف الاجتماعية.
وفي النهاية، سيبقى رمضان بالنسبة للكثير من المغاربة موعدًا خاصًا للعبادة والتضامن، لكن لا بد من أن تبقى العادات الاستهلاكية معتدلة بما يتناسب مع القدرة المالية للأسر، لتجنب تحول هذا الشهر الفضيل إلى عبء اقتصادي إضافي لا يتحملونه.