إستدعاء سفراء ثلاثي الساحل من الجزائر بعد إتهامها بإسقاط طائرة تابعة للجيش المالي
متابعة / أ ف ب
أعلنت مالي وحليفتاها النيجر وبوركينا فاسو، مساء الأحد، عن استدعاء سفرائها لدى الجزائر، وذلك على خلفية اتهام موجه للأخيرة بإسقاط طائرة بلا طيار تابعة للجيش المالي في شمال الأراضي المالية بالقرب من الحدود الجزائرية في نهاية شهر مارس الماضي.
وفي بيان مشترك صادر عن الدول الثلاث المنضوية تحت لواء “تحالف دول الساحل”، تم الإعلان عن قرار “هيئة رؤساء تجمع دول الساحل استدعاء سفراء الدول الأعضاء، المعتمدين في الجزائر، للتشاور”.
وحمّل التحالف، عبر منصات التواصل الاجتماعي، الجزائر مسؤولية إسقاط الطائرة المسيرة، واصفًا إياه بـ “عمل غير مسؤول” يشكل انتهاكًا للقانون الدولي ويتعارض مع “العلاقات التاريخية والأخوية بين شعوب اتحاد دول الساحل والشعب الجزائري”.
من جانبه، نفى رئيس الوزراء المالي، الجنرال عبدالله مايغا، في بيان نشرته وزارة الخارجية المالية، مزاعم الحكومة الجزائرية بأن الطائرة المسيرة اخترقت المجال الجوي الجزائري بأكثر من كيلومترين (1.2 ميل). وذهب مايغا إلى أبعد من ذلك، زاعما أن “هذا الإجراء يثبت، إن لزم الأمر، أن النظام الجزائري يرعى الإرهاب الدولي”.
وتصاعدت الإجراءات التصعيدية من جانب مالي، حيث أعلنت في البيان ذاته عن استدعاء سفيرها لدى الجزائر، بالإضافة إلى انسحابها من المجموعة العسكرية الإقليمية التي يبلغ عمرها 15 عامًا والتي تضم النيجر، العضو الآخر في تحالف دول الساحل والصحراء. وأكدت مالي عزمها تقديم شكوى إلى “هيئات دولية” بشأن هذا الحادث.
ويأتي هذا القرار في ظل مناخ يشهد تدهورا عميقا في العلاقات بين مالي والجزائر. وكانت الجزائر قد أعلنت في الأول من أبريل الجاري عن إسقاطها لطائرة استطلاع مسلحة بلا طيار قالت إنها اخترقت مجالها الجوي.
في المقابل، أوضحت وزارة الخارجية المالية في بيان لها أنه بعد إجراء تحقيق “خلصت مالي إلى أن الطائرة بلا طيار دُمِّرت نتيجة عمل عدائي متعمّد من النظام الجزائري”. ولم يصدر حتى الآن أي رد فعل رسمي من السلطات الجزائرية على هذه الاتهامات.
ووفقا للسلطات المالية التي يقودها الجيش بعد توليه السلطة إثر انقلاب، فقد تم تحديد موقع حطام الطائرة بلا طيار في منطقة تبعد 9.5 كيلومترات جنوب الحدود بين البلدين.
وجاء في البيان المالي أن “المسافة بين نقطة انقطاع الاتصال بالطائرة وموقع الحطام تبلغ 441 مترا. وتقع هاتان النقطتان على الأراضي الوطنية”، مضيفا أن الطائرة “سقطت عموديا، وهو ما لا يُفسر على الأرجح إلا بكونه عملا عدائيا ناجما من نيران صواريخ أرض-جو أو جو-جو”.
وتابع البيان “أمام خطورة هذا العمل العدواني غير المسبوق” فإن مالي تدين “بأشد العبارات هذا العمل العدائي وغير الودي والمتعالي من جانب السلطات الجزائرية”.
ويثير تأكيد مالي بأن اختراق طائرتها الاستطلاعية كان طفيفًا، ولم يتجاوز الكيلومترين، تساؤلات جدية حول مدى تناسب رد فعل الجزائر بإسقاط الطائرة.
ويعتقد أن إعلان مالي العثور على حطام الطائرة على بعد 9.5 كيلومترات داخل أراضيها يقوض بشكل كبير الرواية الجزائرية بحدوث اختراق عميق ويستدعي تفسيرًا واضحًا.
ومن الواضح أنه إذا ثبت أن الاختراق كان محدودًا وبدون أي تهديد مباشر أو نية عدوانية واضحة، وأن الجزائر لم تستنفد خيارات أخرى قبل الإسقاط، فإن هذا الفعل قد يُنظر إليه على أنه رد فعل غير متناسب. فالدول عادة ما تعتبر إسقاط الطائرات في مجالها الجوي خيارًا أخيرًا لا يُلجأ إليه إلا في مواجهة تهديد حقيقي ومباشر أو عند تجاهل التحذيرات المتكررة.
بعد توليها السلطة، غادرت المجالس العسكرية في دول تحالف دول الساحل والصحراء الثلاث الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهي الكتلة الإقليمية التي يبلغ عمرها ما يقرب من 50 عامًا والمعروفة باسم إيكواس، وأنشأت شراكتها الأمنية الخاصة، تحالف دول الساحل، في سبتمبر من العام الماضي.
ووصف بعض المحللين ذلك بأنه محاولة لإضفاء الشرعية على حكوماتهم العسكرية وسط عقوبات متعلقة بالانقلاب وتوتر العلاقات مع الجيران.
وفي تعليقه على هذه التطورات، رأى رضا ليموري، الخبير في شؤون الساحل في مركز سياسات الجنوب الجديد ومقره المغرب، أنه من غير المرجح أن يتصاعد هذا الخلاف الكلامي إلى ما هو أبعد من ذلك.
وشكك في قدرة الحكومة المالية على إجراء تحقيق شامل، مشيرًا إلى أن الحادث “وقع في منطقة خارج سيطرتها، وقد استعادت جماعات معارضة للحكومة ما تبقى من الطائرة المسيرة”. ومع ذلك، استبعد ليموري تصاعد الأمور إلى صراع عسكري، مرجحًا أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات الدبلوماسية القائمة حاليًا.
وكانت الجزائر قد لعبت في السابق دور الوسيط الرئيسي في الصراع بين حكومة مالي ومتمردي الطوارق، إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت فتورًا ملحوظًا منذ الانقلابين العسكريين في مالي عامي 2020 و2021.
وقد نددت الجزائر بالتوجه الذي اتخذته الحكومة المالية الجديدة واستخدامها للمرتزقة الروس والطائرات المسيرة المسلحة بالقرب من حدودها، خوفًا من امتداد الصراع. وأدان المسؤولون الجزائريون استخدام مالي للمرتزقة الروس والطائرات المسيرة المسلحة بالقرب من تين زواتين، وهي بلدة حدودية في الشمال حيث عُثر على الطائرة المسيرة.
ولم تسترد الحكومة المالية الطائرة المسيرة، وتُظهر مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، نشرها متمردون شماليون، أنهم في حوزتهم بقايا طائرة أكينجي تركية الصنع من صنع شركة بايكار أُسقطت في تين زواتين.
واشترت مالي طائرتين على الأقل من شركة تركية العام الماضي، واستخدمتها ضد انفصاليين مسلحين، بالإضافة إلى مقاتلين مرتبطين بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
وتمتلك الجزائر أحد أكبر الجيوش في أفريقيا، ولطالما اعتبرت نفسها قوة إقليمية، لكن القادة العسكريين في مالي والنيجر المجاورتين نأوا بأنفسهم عنها، مدافعين عن الحكم الذاتي وسعوا إلى تحالفات جديدة، بما في ذلك مع روسيا.