استغلال مواقف السيارات… فوضى مقنّنة تفرغ القانون من مضمونه
لا يكاد يمر صيف دون أن يتجدد الجدل حول الطريقة التي تُستغل بها مواقف السيارات في عدد من المدن المغربية، بعدما تحولت إلى نقاط توتر يومية بين المواطنين وأشخاص يفرضون تسعيرات مقابل التوقف، دون سند قانوني واضح. وضعٌ يُثير علامات استفهام حول مدى احترام القوانين المنظمة لاستغلال الفضاءات العامة، ودور الجماعات الترابية في حماية الملك العمومي.
في الأصل، يُصنف القانون المغربي الطريق العام ضمن الملك الجماعي غير القابل للتفويت، حيث ينص الظهير الشريف رقم 1.59.315 بوضوح على أن هذا الفضاء لا يُكرى ولا يُستغل إلا في حالات محددة وبإجراءات قانونية مضبوطة. كما أن القانون التنظيمي 113.14 يلزم الجماعات بوضع شروط دقيقة عند تدبير مواقف العربات، من بينها تجهيز المرافق، وتعليق لوائح الأسعار، وتوفير الحراسة المرخصة.
لكن ما يُلاحظ في الممارسة هو ابتعاد كبير عن هذه النصوص. فالعديد من الجماعات تعمد إلى تفويت مواقف السيارات إلى جهات خاصة عبر صفقات لا يتم الإعلان عن تفاصيلها، وغالبًا ما تغيب عنها الشفافية، لتُترك الساكنة في مواجهة مباشرة مع “حراس” يفرضون منطقهم الخاص، دون وثائق رسمية أو دلائل تُثبت قانونية وجودهم في المكان.
الأدهى من ذلك، أن بعض هؤلاء يُقدمون تذاكر خالية من أي بيانات قانونية، ويطالبون بمبالغ تختلف من حي لآخر، بل وأحيانًا من شارع لآخر في نفس المدينة، مما يخلق فوضى عارمة تُغذي شعور المواطنين بالغبن والتهميش، خاصة حين يقابل احتجاجهم بالتهديد أو العنف اللفظي.
وفي ظل هذا الواقع، تبرز مسؤولية الجماعات الترابية، التي بدل أن تُمارس دورها في التنظيم والمراقبة، تكتفي بتحصيل المداخيل من صفقات الكراء، دون تتبع دقيق لطبيعة التنفيذ على الأرض. هذا التجاهل فتح الباب أمام ممارسات مشبوهة، تحدث عنها فاعلون حقوقيون، مؤكدين أن الأمر لا يخلو من شبهات المحاباة أو العلاقات الزبونية داخل بعض المجالس.
يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيستمر هذا التغاضي عن فوضى تتغذى على ضعف المراقبة وغياب المحاسبة؟ وهل يمكن إصلاح القطاع دون إعادة الاعتبار للقانون وربط استغلال المرافق العمومية بمبدأ الشفافية والعدالة في التدبير؟
المواطن، في نهاية المطاف، هو الطرف الذي يتحمل التبعات، في غياب مؤسسات حازمة تسهر على صيانة الملك العام وتوفير شروط العيش المدني الكريم داخل المدن.