المغرب: استراتيجية طاقية طموحة بـ 40 مليار دولار تقود إلى مستقبل أخضر ومركز إقليمي للطاقة
في خطوة جريئة نحو تحقيق قفزة نوعية في قطاع الطاقة، يواجه المغرب تحديًا استثماريًا هائلاً يتجاوز 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. هذه الميزانية الطموحة، التي كشفت عنها وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، تعكس التزام المملكة الراسخ بتحول شامل نحو الطاقة النظيفة، وترسيخ مكانتها كمركز إقليمي محوري.
ستُوزّع هذه الاستثمارات الضخمة بشكل متوازن بين مسارين رئيسيين: الأول يركز على تطوير الطاقات المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة، والثاني يهدف إلى تدعيم مشاريع الربط الكهربائي القاري بين إفريقيا وأوروبا.
هذا التوزيع الاستراتيجي يهدف إلى بناء نظام طاقي متكامل يجمع بين الاستدامة والأمن الطاقي، ويدعم طموحات المغرب في أن يصبح جسرًا للطاقة النظيفة بين القارتين. وتتماشى هذه الرؤية مع التوجهات العالمية نحو خفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز مصادر الطاقة النظيفة، كما ورد في تقارير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA).
و تعد الطاقات المتجددة حاليًا ركيزة أساسية في المزيج الطاقي المغربي، حيث تشكل أكثر من 45% من الكهرباء الوطنية، و يطمح المغرب إلى رفع هذه النسبة إلى 52% قبل عام 2030، من خلال إطلاق مشاريع تخزين واسعة النطاق تعزز استقرار الشبكة وتكامل الطاقة المتجددة المتقطعة.
ورغم هذا الزخم نحو المصادر النظيفة، يظل الغاز الطبيعي عنصرًا مساعدًا وحيويًا لضمان استمرارية الإمداد الطاقي خلال المرحلة الانتقالية، وهو ما يعكس نهجًا براغماتيًا لتحقيق أمن الطاقة.
على صعيد البنية التحتية الإقليمية، يشكل مشروع خط أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب محورًا استراتيجيًا ذا أبعاد جيوسياسية واقتصادية كبيرة. يستعد المغرب لاستقبال المرحلة الأولى منه، التي ستربط ميناء الناظور بمدينة الداخلة، باستثمار أولي يقدر بـ 6 مليارات دولار. هذا المشروع الضخم، الذي يمر عبر 11 دولة إفريقية قبل الاتصال بشبكة الغاز الأوروبية-المغاربية، جذب اهتمامًا كبيرًا من صناديق استثمارية دولية بفضل عوائده الجذابة التي تتجاوز 10%. يؤكد هذا المشروع دور المغرب المحوري في تعزيز التكامل الإقليمي وتأمين إمدادات الطاقة لأوروبا.
في مجال الطاقة النظيفة، يبرز المغرب بوضوح كأحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الهيدروجين الأخضر الواعد. بفضل موقعه الجغرافي المتميز ومناخه المواتي، تم اختيار ستة مشاريع كبرى في هذا القطاع بقيمة إجمالية تصل إلى 32.6 مليار دولار، مع تخصيص مليون هكتار من الأراضي لتحقيق هذه الطموحات.
تسعى هذه المشاريع الرائدة إلى إنتاج الأمونيا الخضراء، والوقود الصناعي، والفولاذ منخفض الكربون، وذلك في شراكة مع تحالفات دولية تضم لاعبين رئيسيين من السعودية، الإمارات، أمريكا، الصين، إسبانيا، وألمانيا.
ويهدف المغرب من خلال هذه المبادرات الطموحة إلى تلبية 4% من الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر، مما يعكس رؤيته الاستباقية في قيادة هذا القطاع الحيوي.
تقديرات سابقة تشير إلى أن القيمة المحتملة لمشاريع الهيدروجين الأخضر في المغرب قد تصل إلى 300 مليار دولار، وهو ما يضع المملكة في موقع الصدارة في السباق العالمي نحو اقتصاد مستدام وصديق للبيئة.
هذا الاستثمار الكثيف في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، إلى جانب تعزيز الروابط الإقليمية، يؤكد التزام المغرب بتحقيق مستقبل طاقي مستدام، وتعزيز مرونته الاقتصادية، والمساهمة بفعالية في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.