المواطن ليس سلعة انتخابية
عن أي “إصلاح” يتحدثون؟ الأحزاب تخرج ببيانات موسمية، تكرر نفس الأسطوانة: “نحن مع تصحيح الأوضاع”، “نحن إلى جانب المواطن”، “نحن أوفياء لوعودنا”. لكن المواطن البسيط لم يرَ منهم شيئًا سوى الوعود التي تتبخر، والحضور الذي لا يظهر إلا على أبواب الانتخابات.
المثير للسخرية أن بعض المنتخبين والبرلمانيين الذين يُفترض أنهم ممثلو الشعب، لا يُشاهدون في الشارع العام، ولا في الأسواق، ولا في المراكز الصحية، ولا حتى في جلسات الاستماع إلى الناس. هم كائنات انتخابية تظهر فجأة، بابتسامات اصطناعية، لتوزع الشعارات والوعود، ثم تختفي بمجرد انتهاء الحملة.
أين كانوا طيلة ولايتهم؟
أين كان حرصهم على “المواطن البسيط”؟
أين كانوا عندما انهارت أسعار الكرامة، وارتفعت أسعار الخبز، والمحروقات، والأدوية، والكهرباء؟
اليوم، المواطن يعيش في قلب الأزمة.
لا صحة، لا تعليم، لا خدمات اجتماعية تليق، لا أمل واضح في تغيير حقيقي.
والمفارقة أن من يُفترض أنهم صناع القرار يتعاملون مع الشعب كأنه مجرد رقم انتخابي، أو ورقة تُستغل كل خمس سنوات، ثم تُرمى في أرشيف النسيان.
ولأن المأساة لا تكتمل دون الحديث عن الشباب، فلا يمكن تجاهل واقع مرير: شباب وشابات في عمر الأمل، يرزحون تحت وطأة بطالة دائمة، ويُقصون من مراكز القرار ومن فرص التشغيل في الإدارة العمومية، التي لم تعرف يومًا معنى “التشبيب” الحقيقي. تُدار المؤسسات بعقليات شائخة، ويُوزع النفوذ كأن الوطن مُلك خاص، لا مكان فيه إلا لـ”المحسوبين على الثلث الناجي”، أما من يحملون الشهادات والكفاءات، فلا نصيب لهم سوى التصويت في الانتخابات، وربما التصفيق لمن أُعيد تدويره في المناصب.
أي إصلاح حقيقي يبدأ من احترام المواطن، ومن وضع الشباب في قلب السياسات، لا في هامش البرامج الانتخابية. لكن ما نراه اليوم هو إدارة تقنية للأزمات، بدون روح، وبدون رؤية، وبدون تواصل إنساني.
لقد تحوّلت السياسة، في نظر كثير من المغاربة، إلى باب للاغتناء السريع، لا أداة للتغيير. وتحولت المناصب إلى فرص شخصية، بدل أن تكون مواقع خدمة عمومية.
فهل المواطن مجرد وسيلة للوصول إلى القبة؟
هل تحوّلت معاناة الناس إلى مادة انتخابية؟
وهل يمكن للثقة أن تعود في ظل هذا التواطؤ الجماعي على الصمت والتغاضي؟
الأسئلة كثيرة، والوجع أكبر.
لكن الحقيقة الواضحة اليوم: المواطن المغربي لا يطلب امتيازات، بل فقط حياة بكرامة، وتعاملًا صادقًا، ووعدًا يُنفذ لا يُتلى.