في حضرة الألم… تُؤجل القرارات
يعيش القطاع الصحي في غرفة انتظار دائمة، حيث تُرحّل الحلول من مجلس إلى آخر، ويُؤجل الإصلاح كما تُؤجل مواعيد العمليات الجراحية في المستشفيات العمومية. أحدث حلقات هذا الانتظار العبثي، تأجيل المصادقة على مشروع المرسوم المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، في المجلس الحكومي المنعقد يوم 24 يوليوز. مشروع جاهز، ناقشته المؤسسة التشريعية، لكنه عاد إلى الرف دون تفسير واضح، وكأننا أمام نص ثانوي، لا علاقة له بحياة ملايين المواطنين.
لكن من يُتابع هذا الملف عن كثب، يدرك أن الأمر يتجاوز مجرد تأجيل تقني. نحن أمام تجسيد حيّ لعطب في بنية القرار العمومي، حيث تذوب الأولويات في طوفان التردد، وتضيع الملفات الاستراتيجية بين الحسابات الضيقة والبيروقراطية المتصلبة.
الوزير المكلف بالقطاع لا يأتي من صميم الحقل الصحي، بل من ضفة بعيدة، ضفة الحسابات والتقارير والنسب، وقد بدا واضحًا منذ توليه المنصب أنه يُقارب الصحة بمنطق “الفعالية” لا “الرعاية”، وكأن المستشفيات مؤسسات للربح والخسارة، لا فضاءات لحفظ كرامة الإنسان في أضعف حالاته. يتحدث كثيرًا عن “الحكامة”، و”الرقمنة”، و”إعادة الهيكلة”، لكنه لم يطرح يومًا خطة إنقاذ عاجلة لمراكز صحية تنهار، أو حلولًا لأطباء يغادرون الوطن بصمت، أو استراتيجيات لمواجهة الخصاص المهول في الكوادر.
هذا المرسوم – الذي يفترض أن يُهيكل عمل الوزارة بما يواكب التحولات الكبرى، من تعميم الحماية الاجتماعية إلى خلق مؤسسات صحية جهوية جديدة – ظل معلقًا بلا توقيع، بينما الوضع الصحي يزداد هشاشة، والأمل في إصلاح قريب يتبخر.
فهل يُعقل أن يتم الحديث عن ورش اجتماعي كبير دون تأطير قانوني ومؤسساتي للقطاع الذي يُفترض أن يكون عموده الفقري؟ أين الرؤية؟ أين الاستعجال؟ أين الحس بالمسؤولية حين يتعلق الأمر بصحة الناس؟
في الواقع، ما نعيشه اليوم ليس فقط أزمة في قطاع الصحة، بل أزمة في إدراك معنى الدولة الاجتماعية نفسها. الدولة التي لا تترك مرضاها رهائن للانتظار، ولا تجعل من الكرامة الطبية امتيازًا، بل حقًا مكفولًا لكل مواطن.
لا خارطة وطنية واضحة للمستشفيات. لا سياسة دوائية شاملة. لا خطة لتوزيع الموارد البشرية بشكل عادل بين الجهات. بل أكثر من ذلك: هناك غياب فاضح لتواصل شفاف مع المواطنين، كأن الحقيقة تُخيف.
ما يُحزن في كل هذا، أن التعليمات الملكية كانت دائمًا واضحة: الصحة والتعليم ركيزتان لبناء مغرب جديد، أكثر عدالة وإنصافًا. لكن على الأرض، ما زالت وزارة الصحة تشتغل بمرجعيات قديمة، بعقليات تجاوزها الزمن، وبأدوات أقل من حجم الورش المطروح.
الصحة لا تنتظر. المرض لا ينتظر. الكرامة لا تنتظر. لكن يبدو أن بعض المسؤولين ما زالوا يعتقدون أن القرارات يمكنها أن تُرحّل كما تُرحّل الملفات في الإدارات. الحقيقة أنها تُرحّل فقط معاناة الناس.