احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
يعكس التمرين البرمائي الذي اختتم مؤخرا بمدينة الحسيمة بعد أسبوعين من التعاون بين القوات المسلحة الملكية المغربية وقوات المارينز الأمريكية، مدى التحول النوعي في فلسفة الدفاع المغربي، الذي أصبح يوازن بين الجاهزية الميدانية والانفتاح الإستراتيجي على الشركاء الدوليين.
من زاوية تحليلية، فإن اختيار الحسيمة ليس محض صدفة، فالموقع الجغرافي على المتوسط يجعلها بوابة المغرب إلى فضاء أورو-متوسطي مليء بالتحديات، من تهريب وتجارة غير مشروعة إلى الهجرة غير النظامية وتأثير النفوذ العسكري لبعض القوى الإقليمية والدولية. التدريب في هذا المحيط الواقعي يعزز من قدرة القوات المغربية على التصدي للتهديدات المعقدة والمتعددة الأبعاد، بما يشمل الدفاع الساحلي، ومنع الإنزال البحري، والقتال في المناطق الحضرية والمغلقة.
التمرين يوضح كذلك عمق الشراكة المغربية الأمريكية، التي تجاوزت مرحلة التعاون التكتيكي لتصبح ركيزة في منظومة الردع الإقليمي وحماية الاستقرار. تبادل الخبرات الميدانية والتقنيات الحديثة بين الطرفين يعكس وعي الرباط بأهمية التدريب المشترك كأداة للحفاظ على الجاهزية الدائمة، ويعزز الثقة العملياتية في مواجهة أي طارئ أمني.
الاتفاقية الدفاعية الموقعة في أكتوبر 2020 بين المغرب والولايات المتحدة شكلت إطارا إستراتيجيا متكاملا للتعاون يشمل التدريب والتجهيز وتبادل المعلومات العسكرية ودعم القدرات الصناعية الدفاعية المغربية. هذا البعد المؤسسي يعكس رغبة المملكة في بناء قدراتها الذاتية مع الحفاظ على الانفتاح على شركاء موثوقين، بما يرسخ استقلالية القرار الدفاعي ويقلص أي تبعية تكتيكية.
من جهة أخرى، يضع هذا التمرين المغرب في موقع محوري ضمن الاستراتيجية الأمريكية بمنطقة شمال إفريقيا، ويبرز كقوة إقليمية قادرة على إدارة التحديات الأمنية المتسارعة في المتوسط وأفريقيا شمال الصحراء، سواء على مستوى مكافحة الإرهاب أو تأمين الملاحة البحرية.
باختصار، تمرين الحسيمة ليس مجرد نشاط تدريبي عسكري روتيني، بل هو مؤشر على تحول إستراتيجي عميق في المنظومة الدفاعية المغربية، يوازن بين الواقعية العملياتية والانفتاح الاستراتيجي، ويؤكد قدرة المملكة على لعب دور مؤثر في الأمن الإقليمي والدولي، مع الاحتفاظ بالسيادة على قرارها الدفاعي وممارسة النفوذ الإستراتيجي بوعي واستباقية.