عرض الوساطة الجزائري في قضية الصحراء”… هل هو جسرٌ للحل أم تهربٌ من طاولة المسؤولية الأممية؟
الملاحظ جورنال/ العربي بن البوط
صعَّد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، من مستوى التوتر الدبلوماسي بين الجزائر والمغرب عبر إعلانه استعداد بلاده لـ “الوساطة” بين المغرب وجبهة البوليساريو، وذلك في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية الثنائية القائمة بالفعل.
يثير هذا الإعلان جملة من التساؤلات العميقة حول دوافع هذا التحرك وتوقيته، خاصةً وأن الجزائر تعتبر في الخطاب الرسمي والتحليل الجيوسياسي الطرف الأساسي الداعم والمحتضن للبوليساريو على المستويات العسكرية واللوجستية والدبلوماسية، ما يجعلها فعلياً “طرفاً” في النزاع وليس مجرد “وسيط” محايد.
إنَّ طرح الوساطة من قبل طرف متورط بشكل مباشر في دعم البوليساريو يُعَدّ تناقضاً صارخاً مع أبجديات الدبلوماسية النزيهة. فالمغرب يعتبر الجزائر طرفاً أصيلاً في النزاع، وتطالبها الأمم المتحدة بشكل غير مباشر بتحمل مسؤوليتها في إيجاد حل سياسي واقعي ومستدام.
وفي هذا السياق، يبرز التساؤل الجوهري: هل يعتبر هذا العرض الجزائري “ورقة ضغط” جديدة، أم محاولة لـ التهرب الدبلوماسي من طاولة المفاوضات الإقليمية الموسعة التي دعت إليها القرارات الأممية المتعاقبة؟
القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، الذي يركز على ضرورة إيجاد حل سياسي واقعي وبراغماتي ومستدام وقائم على التوافق في الحكم الداتي، يضع جميع الأطراف، بما فيها الأطراف الإقليمية (المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو)، أمام مسؤوليات محددة. التوجه الأممي يشدد على المفاوضات المباشرة والصريحة بين الأطراف المعنية.
إن طرح الوساطة الآن، بعد سنوات من رفض الجلوس على طاولة المفاوضات كـ “طرف إقليمي”، قد يُفَسَّر على أنه مناورة ذكية للتحايل على الإلزام الأممي أو محاولة لتغيير صيغة النزاع من “نزاع إقليمي بمشاركة جزائرية” إلى “نزاع بين المغرب والبوليساريو يمكن للجزائر أن تسهل حله”. هذا التفسير يرمي إلى تخفيف الضغط الدولي على الجزائر بشأن دورها كـ “دولة راعية” بدل “دولة وسيطة”.
وفي جوهره، قد يكون عرض “عطاف” محاولة لإعادة تموضع الجزائر دولياً في سياق القضية، حيث تسعى إلى الظهور بمظهر “صانع السلام” بدلاً من “المعطّل للحل”، وهو ما يتناقض مع سجلها الدبلوماسي الحافل بدعم الجبهة الانفصالية وعرقلة مقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي يصفه المجتمع الدولي بـ “المجهود الجدي وذي المصداقية”.
ويرى مراقبون أنه من غير المرجح أن يقبل المغرب وساطة تأتي من طرف يعتبره شريكاً استراتيجياً للخصم، ما يجعل هذا العرض في النهاية مجرد “مناورة إعلامية ودبلوماسية” غايتها التخفيف من وطأة المسؤولية الأممية.