تحل اليوم الاثنين 16 اكتوبر 2017 الذكرى الـ 42 للإعلان عن تنظيم ملحمة المسيرة الخضراء المظفرة، التي تظل مفخرة للشعب المغربي قاطبة دونت بمداد من ذهب في سجل نضال العرش والشعب، وهي مناسبة لاستحضار حقبة مجيدة من تاريخ الكفاح الوطني من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة والتحرر من نير المستعمر، وإبراز دينامية مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة بوتيرة مطردة.
ويظل التاريخ شاهدا على أن الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بلاهاي، والذي أكدت فيه أن الصحراء لم تكن يوما أرضا خلاء وأن روابط قانونية وأواصر بيعة كانت تجمع بين سلاطين المغرب وبين الصحراء، قد شكل اعترافا دوليا لا يقبل التأويل بشرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه المغتصبة.
وقد كان هذا الاعتراف بداية للتحرك لاسترجاع ربوع خاضعة للاستعمار. وهكذا أعلن جلالة المغفور له الحسن الثاني في خطاب موجه للأمة، يوم 16 أكتوبر 1975، عن تنظيم المسيرة الخضراء التي أبدعتها عبقرية ملك همام أذهلت العالم أجمع بسلميتها، حيث قال “بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا واعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن (…) لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه”. ومهد هذا الإعلان لتنظيم ملحمة المسيرة الخضراء، التي بصمت تاريخ القرن العشرين، وألهبت المشاعر الوطنية لدى المغاربة الذين أبانوا عن تشبث عميق بمغربية الصحراء وعن التفافهم حول العرش العلوي المجيد وتجندهم خلفه للدفاع عن حوزة الوطن، فلبوا النداء وهبوا آلافا مؤلفة بكل وطنية وحماس في اتجاه الأقاليم الجنوبية للمملكة يوم 6 نونبر، سلاحهم القرآن الكريم والراية المغربية خفاقة في أياديهم وإيمانهم الراسخ بشرعية المطلب، لتعود الصحراء إلى مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وبعد مسيرة التحرير واستكمال الوحدة الترابية للمملكة، انطلقت عجلة مسيرة النماء والرخاء بوتيرة متسارعة، إذ دخلت الأقاليم الجنوبية عهد الإنجازات التنموية وباتت ورشا تنمويا مفتوحا قوامه نهضة عمرانية ودينامية مطردة في شتى المجالات تروم تحسين مؤشرات التنمية وتمكين مدن جهة الصحراء من مقومات الرقي الاجتماعي والاقتصادي والنهوض بأوضاع الساكنة.
وقد أبانت الساكنة الصحراوية على الدوام عن فخرها بثمار هذه الدينامية التنموية، ومن تجليات ذلك مشاركة سكان الأقاليم الصحراوية بكثافة وبمعدلات أعلى من المعدلات المسجلة في باقي مناطق المملكة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، وهي مشاركة تؤكد في الوقت ذاته مدى تشبثهم بمغربيتهم.
وتتواصل مسيرة التنمية في الأقاليم الصحراوية بخطى حثيثة، معززة بورش الجهوية التي يريدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن تكون نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية في أفق جعل الأقاليم الجنوبية نموذجا للجهوية المتقدمة، بما يعزز تدبيرها الديمقراطي لشؤونها المحلية، ويؤهلها لممارسة صلاحيات أوسع.
ويشكل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أعطى صاحب الجلالة انطلاقته بالعيون بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، آلية مثلى لتسريع مشروع الجهوية المتقدمة بجهة الصحراء.
ويفتح هذا النموذج التنموي، الذي رصد له غلاف مالي ضخم قدره 77 مليار درهم، والذي يتوقع أن يسهم في مضاعفة الناتج الإجمالي المحلي وخلق 120 ألف فرصة عمل، آفاقا واعدة لكافة المناطق الجنوبية للمملكة بالنظر لما ينطوي عليه من مشاريع ضخمة في مجال البنيات التحتية والصحة والتكوين والصناعة والفلاحة والصيد البحري وغيرها من القطاعات، بما يجعل من جهة الصحراء بوابة كبرى نحو إفريقيا تعزز العمق الإفريقي للمملكة، الذي لا تفتأ أركانه تتوطد.
وهكذا تتواصل مسيرة البناء والنماء ويزداد التلاحم والتآزر بين العرش والشعب رسوخا، دفاعا عن حوزة الوطن، دون تفريط في أي شبر من تراب هذه المنطقة التي تشكل جزءا لا يتجزأ من تراب المملكة.
وقد شدد جلالة الملك على ذلك في الخطاب السامي الذي ألقاه في زيارته التاريخية لمدينة العيون في مارس 2002، حيث قال “إن حفيد جلالة الملك المحرر محمد الخامس ووارث سر جلالة الملك الموحد الحسن الثاني قدس الله روحيهما والمؤتمن دستوريا على وحدة المغرب، ليعلن باسمه وباسم جميع المواطنين أن المغرب لن يتنازل عن شبر واحد من تراب صحرائه غير القابل للتصرف أو التقسيم”