لا يزال الشارع بمدينة جرادة يحتضن مزيدا من الاحتجاج ، وتستمر المسيرات الاحتجاجية ، إلا أن الحركة الاحتجاجية هذه المرة أخذت طابعا فولكلوريا متميزا فاجأت الجماهير الجرادية التي لم تعتد على هذا النوع من الاحتجاج ، حيث تقمص المحتجون ألبسة رثة تعبر على واقع الهشاشة التي تسكن المدينة ، يضعون على ظهورهم شعارات حول العطالة التي يعانيها الشباب بعد كل سنوات المعانات الدراسية من أجل الحصول على شواهد لم تسعفهم في الحق في الشغل وضمان العيش والكرامة ، وواقع الفقر في الأحياء الهامشية للمدينة … والتهاب فواتير الماء والكهرباء التي تظل الهاجس المؤلم الذي يؤثث المشهد الاحتجاجي الذي لم يفتر . وتم تعويض الشعارات المنددة بالصفير والنقر على ألواح حديدية محدثة أصوات صاخبة معبرة …
غير أن الاحتجاج لم يستثن الواقع البيئي لمدينة تعيش تحت التلوث منذ 1970 أي منذ بناء المركب الحراري بجرادة ، فكيف لمدينة أسهمت بكل ما لديها بسواعد أبنائها الذين انتهوا إلى حمل جميع الأمراض وعلى رأسها السيليكوز الذي ينخر صدورهم ، لكي ينعم المغرب بالكهرباء ؟؟ ولا يزال المركب الحراري بجرادة مستمرا في تزويد المغاربة بهذه المادة الحيوية ، رغم تجاوز العمر الافتراضي الذي وضع له ، حيث حدد في 30 سنة ، إلا انه الآن تمر 14 سنة أخرى ولا يزال المركب الحراري مستمر في عمله ، وهي سنوات إضافية من التلوث الذي يصب على المدينة وساكنتها ومزيدا من أمراض الحساسية والسرطان … بل تجد جرادة نفسها مجبرة على أداء هذه الوظيفة إذ يعمل الصينيون على بناء جناح رابع لإنتاج الكهرباء بقدرات كبيرة باستغلال الفحم ، فعطاء المدينة لن يتوقف وسيستمر الكهرباء الجرادي يغذي مناطق من المغرب ، أفلا يحق لساكنة هذه المدينة ألا يتم الانتباه إلى معاناتهم ؟؟؟ وكيف لمدينة تعيش تحت هذه المعاناة البيئية كل هذا الزمن ، تحتضن مركبا حراريا لا تنال منه إلا التلوث والأمراض ناهيك عن الفقر والتهميش . والفواتير الصاروخية للماء والكهرباء ؟!! ولا تستفيد من أية أفضلية التي تذهب إلى جهات أخرى !!!
ففي ظل واقع اجتماعي متدني وفي ظل الآفاق المغلقة أمام شباب المدينة وأمام التكاليف الحياتية المرهقة ، يأبى شباب المدينة الجهر بكل قوة ، فالمسيرة الكرنفالية لشباب مدينة جرادة ليست حركة عبثية من أجل الفرجة بقدر ما هي تعبير عن أنماط العطالة والتهميش والهشاشة التي تعانيها المدينة وهي الأمور التي على المسؤولين الانتباه إليها