*عبد الله العلوي
لا يمكن الحديث أو البحث في وضعية الطفل في قانون الشغل المغربي القديم دون ربطها بالمدونة، التي عرفت طريقها للتطبيق في 08-06-2004 ، و قانون الشغل، ضمن مجموعة القوانين المغربية، هو آخر القوانين التي تم إصدارها في مدونة واحدة، بعد أن كان موزعا بين عدة ظهائر وقوانين ومراسيم عـديدة، صدرت في ظروف سيـــاسية معـيـنـة أثناء مرحـلة الحمـــاية الفـرنسية للمغـرب ثم بـعـد الاستقـلال. وكانت تلك القـوانين تصدر حسب قـوة الصـراع الاجتماعي / السياسي، فلا يمكـن – مثلا- عـدم ربط صدور القانون النموذجي في 23 أكتوبر 48 بالظرفـية الاجتماعـية، والسيــاسية، والتــاريخـية، المغرب حينئذ ـ ولفـرنسا أيضا ـ نهاية الحرب العالمية الثانية: النضال من أجل الاستقـلال، ظهـور الأحزاب الوطـنـية، انخراط المغاربة بكثافة إلى جانب الفـرنسيين في ميدان الشغل وفي النقابات.
كما لا يمكن عدم ربط صدور قـانون أبريل 1973 المتعلق بالعمل الفلاحي بالمرحلة التي صدر فـيها -حوادث أولاد خليفة، العمل النقابي و السياسي في البوادي-، ثم إن القـوانـيـن الـتـي عــرفـت تـراجعــا جـــاءت في مرحـلـــة الخوصصة، أو الخصخصة والعـولمة، وانـهـيار بلدان المعسكر الاشتراكي، وما يمثله كل ذلك من قيم اجتماعـية.
لــذا فــإن مــوضـــوعـــنا ســيـتــناول:
أ- الطفـل فـــي قــــانون الشـغـل المـغـربـــي مــنذ 1913.
ب- الحدث في القانون رقم 99/65 المتعلق بمدونة الشغل.
سـن الـتـشـغــيـل:
-
عـندمـا أصدر المشرع المغـربي ظهير 12 غشت 1913 المتعـلق بقــانون الالتزامــات والعقـود، أو القــانون المدني، ضمـنه بعـض الفـصــول المتعقـلة بقـانون الشغـل -المواد من 723 إلى 758 و عددها (35)-. وكانـت هـذه الفـصـول التي وضعـت عـلى عـجـل تهم الفرنسيين والأجانب، الذين دخلوا ميدان الشغل فـور بسط النفـوذ الأجنبي على المغرب، الذي يقوم جانب من اقتصاده على نظام الحرف التي كانت تتركـب من المعـلم، والصانـع، والأطفال، أو المتعلمين، ولكـل حرفة أمين ويرأس مجـلـس الأمناء المحـتـسـب المعين مـن طرف السلطة. وهـذا النظام لازال ساريا في الصناعة التقـليدية حتى اليوم.
ولم يشر المشرع في هـذه الفصول الـ 35 ولو بصفة عامة إلى سن التشغيل، كما لم يشر إلى الطفـل، أو الحدث حتى صدور ظهير 13 يوليوز 1926 الذي نسخ بالكامل فيما بعد، والذي نص عـلى بعض الإشارات المتعلقة بتشغيل الطفل دون توضيح ، ثم إلى حـين صدور ظهير 2 يوليوز 1947، الذي تضمن فـصولا عـديدة حول الطفل، و طالته تعديلات خلال سنــــــوات 1949 و 1950 و 1952 و 1953 و 1958 و 1962 و 1966 و 1967 و 1968 بظهائر مختلفة عـدلت ونسخت فـصولا كثيرة مراعاة لطبيعة المجتمع المغـربي، خصوصا في مرحلتي: الاستعـمـار والاستقلال، ولظروف كـل مرحـلة تاريـخـيـة، وانتقــال المغـرب من عـهـد الحماية ، و تطـورات الـوضع الاقـتصادي، والاجتـمــاعي، والسياسي، الذي عـرف تبدلات شاملة سـواء في ميدان العـمـل عــامة، أو فيما يخص الـنـظرة إلى عـمل الطفـل. والمشرع المغربي رغـم الفصول التي ضمنها ظهير التنظيم القانوني لعقد العمل في القطاع الصناعي، والتجاري، والمهن الحرة، أو ظهير 2 يوليوز 1947، والتعـديلات اللاحقة عــليه المتعـلقة بعـمل الأطفال، فإنه أشار في ظهائر أخرى إلى قـواعـد إضافـية، أو تأكيدية في هذا الصدد. وهكذا نجد في ظهير 9 يناير 1946 حول العطل، المعدل بظـهـير 24 أكتوبر 1961، أن المشرع أشار إلى الطفـل كمــا استعمل مصطلح “العملة الصغار” في الفـقـرة 3 من المادة 3 حول مـدة العطلة عـند بلوغ الطفل 18 سنة أثناء العمل، وكذا في المادة 32 بخصوص تعويض إضافي للعملة الصغار عـن عـدم منحهــم العطلة.
تـشـغـيـل الأطـفـال فـي الـفـلاحـة:
نص المـشرع المغـربـي فـي ظهير 24 أبريل 1973، الـذي تحـدد بمـوجـبه شروط تشغــيل المأجورين الفلاحين، في الفـصل 13 على منع تشغيل الأطفال قـبل بلوغـهـم سن 12 كاملة، و عـلى تمكين العون أو الأعـوان المكلـفين بالتفـتـيـش من طلب عرض الأطفـال عـلى الطبيب، إذا لم يبلغوا سن 16 للتأكد من أهليتهم الصحية للعمل الفلاحي. لكن المادة 14 نصت على إمكانية مخالفة ذلك بعد إذن عـون التشغـيـل. و أشار الفـصل 17 إلى الأعـمال الخطيـرة المـمـنـوع عـلى الأطفال مزاولتها، والتي سيصدر الوزير المكـلف بالتشغيل قـرارا خاصا بتحديدها بالاتفاق مع وزير الفلاحة.
تـشـغـيـل الأطـفـال فـي الـمـنـجـم:
أشــار ظهـيـر 24 دجنبر 1960 المتعـلـق بالـنظام الأســــاسي لمستخدمي المؤسسات المنجمية إلى الأطفال، في الفصل 21 الذي نص على منع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سن 16 من العـمل بحفـر المنجـم، ومعنى ذلك أنه يجـوز عـملهم فـي سطح المـنـجم أو في أشغال أخرى غـير القـعـر، إلا أن المشرع استدرك لعموم العملة الصغار دون سن 18، فمنع عملهم المنجمي في مواقع قد تعرضهم لأمراض مهنية سواء داخل المنجم أو خارجه، وفي الواقـع العـملي فإن وجود الأطفـال في المناجم أمر نادر الحدوث، مع استثناء المقـالع والتشغيل الجديد عـن طريق المقاولة. وهكذا يلاحظ أن الظهائر المشار إليها وهي ظهائر أساسية في قانون التشغيل المغربي، قـد خصصت عـدة فـصول للأطفال من سن 12 إلى 16 للعـملة الصغار من سن 16 إلى 18، وحددت كيفية تشغيلهم وأوقات العمل، ونوعـيته، وعطلهم. وقد صدرت مراسيم وزارية مكملة لتحديد أوقـات العمل الليلي المسموح بها في بعـض الصنـاعــات لـتشغـيل الأطفـال، فحددت مدد هذا العمل الليلي. و الواقع أن رغم اشتراط العمل الليلي مدة لا تتجاوز 90 يوما، و تعليقه بصناعات معينة كصناعة الحلوى، فإن مرسوم العمل الليلي للطفل والمرسوم الذي حدد الأعـمال الخطرة التي يمنع تشغيل الأطفال فـيها مردودان، لكون كثير من الأعـمال التي حددها مرسوم 8 مارس 1948، هي أعـمال مـوسمية أصلا، أي أن مدد العمل فـيها لا تتعـدى في أكثر الحالات 90 يوما، و حيث كان عـلى المـشـرع أن يجعـل النص عـلى إطلاقه و يمنع العمل الليلي للأطفـال جملة و تفصيلا.
وإذا كان قـانون الشغل المغربي قد حدد عـمل الطفـل في سن 13 ، وحـدد نوعـيــة العمل، ومـنع عـنه العـمل الخطر والليلي أحيانا، فإن هناك قطاعا واسعا سكت عنه المشرع المغربي سواء في القـوانين الحالية، أو في المدونة، وهـو قـطاع الصناعـة التقليدية، و الذي يشغل أكبر عـدد من الأطفال، دون سن 12 في غالب الأحيان. فظهير 2 يوليوز 1947 سكت عـن هذه الفـئة الواسعة. التي يضاهيها من حيث العدد فئة خدم المنـازل، التي تشكل الفـتيـــات نسبتها الأوسع. و لـم يتـسع صدر الـقـانــون المغربي لهن/ لهم لأسباب بنيوية في المجــتمع المغـربي.
و قد تم أخيرا وضع قانون في هذا الشأن، و إن كان يقابله استشكال في الفصل 747 من القانون المدني بخصوص وضعية الأجير الذي يعيش بمنزل المشغل إذا أصيب بمرض أو في حادث، فإن المشغل ملزم بالنفقة عليه و بأداء مصاريف التطبيب و العلاج لمدة 20 يوما من تاريخ المرض أو الحادث و هذا الفصل نسخ بالمدونة.
وانسجاما مع الـنصوص السابقة والتالية، يفهم من هذا الفصل (747 ق.ل.ع) أن الأجير يعمل في مؤسسة المشغل و يقيم خارج منزله أو يفترض أن يكون عمله بمنزل المشغل. و كيفما كان تفسير نوع العمل و مكانه: في أشغال البيت و داخله، أو في أشغال تجارية أو صناعية خارجه…فإن المشغل غير ملزم بأكثر مما يقيم أود الأجير مع مصاريف التطبيب و الدواء و لمدة لا تزيد عن 20 يوما من تاريخ المرض أو الإصابة.
و قد تم نسخ الفصل 747 – كباقي الفصول المتعلقة بقوانين الشغل- بالقانون رقم 99/65.
ظهير 2 يوليوز 1947:
يعـتبر هـذا الظهـيـر مـع ظهير 23-10-1948 من أهـم القـوانين التي صدرت بعـد نهـاية الحـرب العـالـمـية الثانية، تحـت ضغط الواقع الاجتمــاعي الجديد المتميز بـقـوة الصراع السياسي، وظهور تعـقـيـدات اجتماعـية، واقـتصادية في المغرب، على اثر إنشــاء مؤسسات صناعـية هامة وتقوي النقـابـات المـهـنـيـة، ودخول الأطفال والنسـاء ميدان العمل الصناعي، والتجاري، والمهني، بعد أن كان العمل مقـتصرا عـلى الصناعة التقـليدية، والحرف. وقـد خصص هذا الظهير الفـصول من 9 إلى 17 للطفـل، و أكـد الفـصل 9 عـلى منع اشتغـال الطفـل قـبل بلوغــه 12 سنة كاملة، أي أن يكون في الـيوم الأول لبلوغـه 13 سنة، كما أكـد منع اشتغـال الطفـل ليلا إلا بعد بلوغه 16 سنة، ومفـهـوم الليل عـند المشرع هـنا يمتد من العاشرة ليلا إلى 5 صباحا، أي أن الوقـت الممتد من 8 إلى 10 لا يعـتـبـر ليلا، فالخــامسة صباحا تعـتـبـر نهـارا !.
مـصـطـلـح طـفــل:
والمـشـرع يسـتخدم مـصطلح طفـل لا مصطلح حدث، وهـذا راجع –في أغلب الظن- لكون الأطفال يشتغلون بصفة عامة في مختلف الحرف، حيث تشغل الحرفة زمنا مفترضا للمدرسة و التعلم. بالإضافة إلى أن مصطلح حدث أو أحداث جـديد في الاستعمال القـانـوني واللغـوي. ونـص المـشرع على قاعدة 13 سنة أيضا في العمل في الملاهي، والمسارح، والمقاهي، وذلك في الفصل 23 إلا في حال الضرورة و بموافـقـة مفـتش الشغل ، كالعمل في الروايات التي تفترض قيام الطفل بدور، وهـو في عـمر أقـل من 12 سنة. إلا أن المشرع تدخـل بظهير 27-4-1953 وعـدل هـذا الفـصل، ومـنع اشتـغــال الأطفــال دون سن 16 في مزاولة الأدوار البـهـلـوانية ذات المشقة، والقـانون هنا لم يشر إلى كون العمل يتعلق بالمحترفين أو بالهواة، وبإطلاق النص يتضح أنه يتحدث بصفة عــــامة – سواء بأجر أو بدونه- عن عـمـل الأطفــــال في المـلاهي، والمسارح، وألعاب البـهـلوان. وكان تدخل المشرع في 1953 بعد أحداث أليمة راح ضحيتها بعض الأطفال في ألعاب بهلوانية.
اشـتـغــال الـطـفـل لـيـلا:
نص المشرع أيضا عـلى منع تشغيل الطفـل دون سن 16 في الأعـمــال الخـطرة فـوق طاقـته، وترك تحديد هـذه الأعـمال لمرسوم وزاري سيصدر بعد ذلك.
وهكذا صدر قرار إداري في 8 مارس 1948 حـدد الاستثنــاءات الواردة في اشتغال الطفـل ليلا، كما صــدر مرســوم آخر في 1957 حـول الأشغــال الخـطرة التي يمنع عـلى الأطفال مزاولتها. وإذا رجعنا إلى هـذين القـرارين نجد أن المشرع أجاز لمفتش الشغل السماح بتشغيل الأطفال مدة تصل 90 ليلة، مراعاة لمؤسسات الحـلـويات والأعـمــــال الأخرى كالتصبير، والتعليب. إلا أن هـذه الأعـمال موسمية بطبيعتها، و لا تكون مستمرة لجميع العمال بمن فـيهم الأطفال، ذلك أن لائحة الأعـمال التي تتطلب العـمـل الليلي المرفـقـة بـقــرار 8 مارس 1948 هي في حـد ذاتها غــالبا أعمال مؤقتة وموسمية، لا يتعدى العمل فيها شهرا أو شهرين، مع العلم أن الـمـشرع يقـصد العمل المستمر الذي قـد يؤدي في فـتـرة من العام إلى عـمل ليلي اضـطراري.
وقد نص الفـصل 17 من ظـهـيـر 1947 عـلى تجاوز الفـصل 12 الذي يمنع العمل الليلي عن الطفل، إذا وجدت أشغال استثنائية، أو مستعجلة بشرط إخبار مفتش الشغل، وليس إستئذانه، كما أجاز الفـصل 16 للمشغل تعـويض ما ضــاع مـن العـمـل، متجاوزا الفـصل 12 ولا يلزمه للقـيام بذلك إلا إعـــلام مفـتـش الشـغـل على أن لا تتجــاوز أيام الـعمل 15 لـيـلـة.
بل وأشار الفـصل 15 إلى تجاوز منع العمل الليلي للأطفال بصفة مؤقتة، أو دائمة لنوع مـعـيـن مـن المؤسسات تحدد بمقـتضى قـرار، وكما يلاحظ فإن مقـتضيـــات المـادة 12 تم تجاوزها بكثير من الاستثناءات حتى أصبحت شبه مفرغـة، ودور مـفـتـش الشغـل ينحصر في الرجوع إلى الأطباء عـنـد الاقـتضاء ــ وليس تحت طائلة الوجوب ــ لتبيان قدرة الأطفال دون سن 16 على العمل، الفـصل 10 وأشار الفـصل 11 إلى الملاجئ الخـيـرية، التي لا يجوز لها استخدام الأطفال في عـمل يدوي دون سن 12 ، إلا 3 ساعات في اليوم عـلى أساس أنهم أصلا ممدرسون في التعلـيم الابتدائي.
الــعــقـــوبـــــات:
نص الفـصل 59 أنه في حالة مخالفة أحكام ظهير 1947 يعاقـب المـشغل بغرامة حدها الأدنى 50 درهـما والأقـصى 900 درهـم.
وتدخل المشرع من جـديد بظهير 27 أبريل 1953 وأضــاف عـقـوبة الغـرامة على كـل من يعينه صاحب المؤسسة لتسييرها، ليقوم مقامه كالمديرين، والمراقبين، ومسيري الأشغال، وأجاز الحكم عليهم أيضا بمقـتضيات الـفقـرة الأولى من المادة 59 المشار إليها آنفا، ونص عـلى مضاعـفـة الغرامة في حال تكرار المخالـفـة.
الـحدث في مدونة الشغل:
عـرفـت المدونة على الأقل أربعة تعـديلات معلنة كان آخرها التعديل رقم 99/65، الذي كان محـل نقـاش بين نقـابات العـمال، والمشغلين، والحكومة، وتم تأجيل إحالته إلى البرلمان عـدة مرات نظرا للمعارضة الشديدة لبعض فـصوله، من طرف نقـابــات العـمال إلى أن صودق عـليه.
ويـتوفـرعلى 589 مــادة تهم جميع عـقـود العـمـل الفــردية، والجمــاعـيـة الصنــاعـيـة، والتجارية و الفلاحــيـــة، المؤقـتة، والدائمة، والأنظمة الخــاصة لبعض عـقـود الشـغل، وتمثيلية العمال، وتأسيس النقابات، والتعويض، والدعاوى، والتقادم، والعقوبات، وقد تم إصداره في 11 شتنبر 2003 وبدأ العمل به بعد ستة أشهر مـن النشر فـي الجريدة الرسـمـية كما نصت المـــادة 589.
وفـيمـا يـتـعـلــــق بـمــوضــــوع دراســتـنا فـإن المشرع في المدونة خصص عـــدة مواد للأحداث – 22 مادة – ويلاحظ تغيير المصطلح من الطفـل إلى الحدث وفي بعض المـواد جمع بين المرأة، والحدث، والمعاق، وهكذا نص في المادة 143 على أن سن العمل هي 15 سنة كاملة بدل 12 سنة كاملة بالنسبة للطفـل ، والملاحظ رغم ذلك أن المادة 143 تتناقض مع المصادقة المغربية على معاهـدة حماية الطفـل، التي تنص على أن سن الطفـولة يمتد إلى 18 سـنـة، وأيضا فإن قــانون المسطرة الجنــائية انـسـجم مع المعاهـدة المـذكورة، ونص عـلى أن الرشـد الجنائي هـو 18 سنة، رغـم أن مشروع قـانـون المـسطـرة الجنـائية يحدده في 16 سنة فـقـط، وتـم تـعديله في تدخل نادر أثنــاء المناقـشــة البرلمانية للمشروع، و حيث انتبهت له في آخر لحظة الحكومة، و هو المـنصوص عليه في المواد التي أشارت إلى الحدث والأحداث في مدونة الشغل و هي المواد:
143-144-145-146-147-148-149-150-151-172-173-174-175-176-177-178-179-180-181-183-191-214 و 216.
بعض هذه المواد -كما أشرنا سالفا- يهم تشغيل النساء والمعاقين، وبعضها خاص بالأحداث فقط، وقد نصت المادة 172 عـلى منع تشغيل الحدث الذي لم يكمل 18 سنة في الأعـمال الجـوفـيــة للمناجم، كما منعـت المادة 180 ، تشغيل الأحـداث دون سن 18 في أعـمــال قد تعيق نموهم، وهي مادة جديدة بكل المقاييس. أكدت على منع اشتغال/ تشغيل الأحداث ليلا، والليل حسب المدونة بالنسبة للعمل الصناعي ما بين 9 ليلا و 6 صباحا، ويلاحظ أن المشرع عـدل عـن اعـتبار الليل من 10 إلى 5 صبــاحا، كما نصت المـادة 9 من ظهير 2 يوليوز 1947 . أما في العـمـل الفـلاحي فالمشرع أو المدونة اعـتـبـرا الـلـيـل مـــن 8 ليلا إلى 5 صباحا.
ونصت المادة 173 عــلى بعـض الاستثناءات في العـمل الليلي للأحــداث، بترخيص من مفـتش الشغل سواء في العـمل الصناعي، أو التجــاري، أو المهـني، أو في العـمل الفلاحي، إذا تعـلق الأمر بسلع سريعة التلـف، أو أولية أو في طــور الإعـداد، دون أن تربط المادة ذلك بمدة محددة، أو بمقـرر تنظيمي، كما فـعلت بالنسبة لظهير 2 يوليوز 1947 حـول العـمـل الصنــاعي والتجاري، وظهـيـر 24 أبريل 1973 المتعـلـــق بالعـمـل الفـلاحي والغابوي، باستثناء المادة 174 الـتـي نصت عــلى منح الحدث فـتـرة راحة كـل يومين من العمل الليلي، لا تقــل عن 11 ساعة، والمادة 176 التي استثنت من منع العمل الليلي بعض حالات النجـدة، أو تهديد / وقوع الخســائر شرط أن لا يتجـاوز الاستثناء ليلة واحدة، وبإعلام مفتش الشغل. كما نصت المادة 144 على عرض الأحداث دون سن 18 على الطبيب العمومي العامل بوزارة الصحة العـمومية، وليس الخــاص أو طبيب المؤسسة، قـصد تبيـان قــدرتهم الصحية عـلى العـمـل المـوكول إلـيهم، كما يحق لمفـتـش الشغل بعد تقـرير الطبيب إعـفـاء الحدث مـن العـمـل. أمـا المواد 145-146-147-149-150 فقد خصصتها مدونة الشغل للأعـمال الفـنـيـة، والبهلوانية، وأكـدت عـلى منع الحدث دون سن 16 من الاشتغال في هــذه الأعـمــال، أو القـيــام بإشهار لجلب الأطفال لمثل هـذه الأعـمـال، وعلى وجوب توفر إدارة السـيرك أو الألعـاب عـلى عـقـــود الازدياد الخـــاصة بالأحداث، كــما أن الــمادة 145 منعت الأحــداث دون 18 سنة، من العمل في التمثيل أو العروض العمومية. ومفهوم المخالفة يدل على أن المشرع استثنى الهواة ولم يشر إلى إعلانات التلفزيون، بل أشار إلى طابع المقاولة فـي مـثـل هـذه الأعـمـــال التي ستحدد بمقـتضى قـرار تـنظيمي، لكن يلاحظ أن إعلانات التلفـزيون تكـتسي طابع المقــاولة باعـتبار الشركات التي تقوم بتصويرها وإخراجها. فهل الأمر بالنسبة للإعلانات من هـذا النوع يكتسي طابع العمل بالنسبة للحدث، أم طابعا أخلاقيا بالنسبة للدعاية التي يقـوم بها الحدث؟ والقـرار التنظيمي حدد طبيعة عـمل الحدث في الإعلانات التلفـزيونية1، وهي ــ مـع إعلانـات النساء ــ تشكل النسبة الأكــثر، ونصت المدونة في مادة فـريدة هي المادة 181 على ( منع عــمل الحدث في أشغال خطرة أو قـد يترتب عـنها ما قـد يخل بالآداب العــــامة)، و مع ربطهـا بالمقـرر التنظيمي الـذي صدر بعد ذلك بمرسوم 2. و أن الأعمال الخطرة سبق للمشرع أن حـددها نسبيا في قـرار 6-9-1957 إلا أن المادة 181 أضافـت الآداب العامة. ولا شك أن ما يجري في الحانات وبعض المـؤسسات السيــاحـية من إخلال بالآداب، عـن طـريــق تشغيل النساء ــ المادة تهـم النساء و الأحداث ــ وغــالـبـيـتـهـن صغـيـرات السن، يقـتضي تدخل المشرع سواء فـيما يتعلق بعقـود العمل الوطنية، أو العقــود الأجنبية التي كــثيرا مـا تكون مجرد عـقـود صــورية.
هـذا و قد أشارت المـادة 191 إلى إمكانية تقرير استثناءات على الأحداث البالغين 16 سنة، وتجاوز مـدة التشغيل العـادية، ذلك أن المادة 184 تنص عـلى أن سـاعـات العمل يجب أن لا تتعـدى 8 ساعات في اليوم، و 44 ساعة في الأسبوع بالنسبة للعـمل الصناعي والتجـــاري، أما في العمل الفلاحي فـتحسب سنويا 2496 ساعة في السنة على أساس تجزئتها بقرار حكومي، إلا أن المادة 191 تجيز تجاوز مـدة العمل بالنسبة للأحداث في بعض الأعـمال، وأكدت المادة 214 على منع وقـف الراحة الأسبوعـية للأحداث دون 18 سنة.
دور مـفـتـش الـشـغــل:
يلاحظ مـن خلال قـراءة سريعة للمـدونة أن المشرع مـنـح مـفـتـش الشـغـل والـمصالح المتعلقة به سلطات واسعة، تجاوزت نصوص القوانين القديمة، التي لا تمنحه إلا حق وضع الـتـــقـارير والغرامات الهزيلة أصلا، فالقــانون منح مفـتـشي الشغل صلاحيات الإذن واتخاذ القـرارات، وإحالة المخالـفـيـن عـلى المحاكم أو النيابة العامة. وفـيما يتعـلق بالأحـداث فإن المدونة أكدت دور مـفـتـش الشغـل في:
ــ عـرض الأحداث عـلى الطبيب العمومي.
ــ اتخاذ قـرار بإعـفاء الحدث من العمل الذي يفـوق طاقـتـه.
ــ سحـب الإذن تلقـــائيا أو بطلب الغـيـر بالنسبة للعروض العمومية التي يشارك فـيهــا الحدث.
ــ طلب تدخل القـوة العـمومية لتنفـيذ قـراراته.
ــ إصدار منح رخص استثنائية لبعض المؤسسات للعمل الليلي.
ــ هذا بالإضافة إلى دوره في تحرير محاضر المخالفــات والمعاينــات ومراقـبة تنفيذ القـانون.
الـعـقـــوبــات:
نصت المواد: 150-151-183 و 216 عـلى عـدة عـقـــوبــات مالية في حال مخـالـفـة النصوص القــانونية المتعلـقـة بتشغيل الأحـداث، ويلاحظ ارتفــاع مبالغ الغـرامات بالنسبة للظهــائر المنسـوخة بالمـدونـة، والـتي صـدرت في ظروف زمنية معـينة. حيث كانت الغرامة آنـئـذ بقـوتها المالية نفسها، إلا أن مرور الزمن والتضخم أدى إلى هـزالهـا واقعيا فيما بعد، فالفـصل 59 من ظـهـيـر 2 يوليوز 1947 كان ينص عـلى عـقـوبـة 50 إلى 200 فـرنـك، وهي عقوبة مالية ذات قوة في زمانها لكن مرور السنوات وتغيير العملة من الفرنك إلى الدرهم جعل هـذه الغرامات لا تشكـل إزعاجا كبيرا، وقـد تداركـت المدونـة نسبيا هــذا ونصت عـلى العـقـوبات التـالـية:
ــ الغـرامة من ثلاثمائة إلى 500 درهـم عـن مخالفة تشغيل أحداث في ألعاب بهـلـوانـية. ويلاحظ هـنا هـزال/ ضعف الغـرامة التي روعي فـيهــا، كون كثير من الألعاب يمارسها الآباء مع الأبناء، أو أشخاص متنقـلون ولا يتوفـرون عـلى تجهيز جـيـد.
ــ نصت المادة 216 عـلى غـرامة من 300 إلى 500 درهـم في حال عـدم تمتيع الحدث براحته الأسبوعـية أو وقـفـها، وهي أيضا غـرامة هـزيلة جدا أمام خطورة الفعل.
و نص المشرع أيضــا في المــادة 151 عـلى غــرامة من 25 إلى 30 ألف درهـم عـلى تشغيل الأحداث دون سن 16، وهي أقـصى عـقوبة في تشغيل الأحداث، وتضاعف هذه الغـرامة في حال العود.
و يلاحظ أن المشرع سكت عـن العـقوبات الحبسية نهائيا، سواء في المخالفة الأولى أو في حال العود واكتفى بالغرامة المالية.
خـــــلاصــة:
يتميز صدور القوانين في المغرب بردود الأفعال، ذلك أن القوانين لا تصدر إلا في ظرفية تاريخية معينة، أو لمواجهة أحداث أو مطالبات أو أزمات. مما يجعل هذه القوانين عند التطبيق تواجه صعوبات جمة ، و يكون لها تأثير سلبي اجتماعيا، و مثال ذلك «مدونة الأسرة» فالأسرة المغربية تواجه مشكل منع تعدد الزوجات بالتحايل، و انتقال الناس من البادية إلى المحاكم في المدن، وتكاليف الملف التي تتجاوز أحيانا تكاليف الزواج، ثم التحايل على القانون لتزويج الصغيرات ، بل و الالتجاء إلى الفاتحة و إلى عقود سلف مستقبلية، مما يجعل القوانين لا تتناسب مع مجتمعها.خاصة عندما لا ينتبه واضعوها إلى عوائد و أعراف المجتمع الشعبي لتأثرهم بالقوانين الأجنبية، مما يؤدي إلى أزمة وجود القاعدة القانونية و تحايل المجتمع على هذه القاعدة! بإبداع قوانين جديدة مناسبة له مثل الرهن العرفي لمواجهة غلاء الكراء و السكن، و (دارت) لمواجهة الفوائد البنكية الفاحشة، ونفس الأمر فيما يتعلق بقوانين الشغل، ذلك أن المجتمع يشهد على نطاق واسع تشغيل الأطفال و الأحداث في كل الأعمال الفلاحية و الصناعية التقليدية وغيرها رغم المنع القانوني. و تجد السلطات نفسها عاجزة عن تطبيق القانون لشيوع الظاهرة أو لفساد بنيوي في هذه الأجهزة.
*محام بهيئة مراكش
هــــوامـــش:
1 – صدر المرسوم رقم 2.04.465 بتاريخ 16 ذي القعدة 1425 (29-12-2004):
بتحديد لائحات المقاولات التي يمنع فيها تشغيل الأحداث دون سن 18 كمشخصين أو ممثلين في العروض العمومية دون إذن مكتوب و منها مقاولات الإنتاج السينمائي و التلفزي و الإذاعي و التسجيل الصوتي و السمعي البصري و المعارض القارة و المستقلة و شركات الإشهار.
2– صدر المرسوم 2.04.682 بتاريخ 16 ذي القعدة 1425:
بتحديد لائحة الأشغال الممنوعة على الأحداث دون سن 18 ، و هي أشغال التشحيم و التنظيف و إصلاح الأجهزة الميكانيكية عندما تكون في حالة اشتغال، استخدام الآلات التي تشغل باليد أو بمحرك ميكانيكي و التي لا تتوفر على وقاية و أشغال الهدم و الزجاج، تمديد الأنابيب و إقامة الهياكل و الأعمال فوق السطوح.