وائل قنديل
ماذا بقي في مصر لا يحاربه عبد الفتاح السيسي؟ ماذا بقي لم يدمغه بالإرهاب، حتى يحصل على فواتير الحرب عليه، من المانحين والممولين والمكافئين؟
أعلن السيسي، منذ اللحظة الأولى، مصر “دولة إرهابية” بجميع مكوناتها، فأكبر تنظيم سياسي وأضخم كيان مجتمعي، جماعة الإخوان المسلمين، أعيدت مرة أخرى إلى “المحظورة”، ثم “الإرهابية”، وتبعتها كبرى الحركات الثورية الشبابية “6 إبريل”، ثم امتدت فوبيا الاتهام بالإرهاب، لتشمل سيناء بكل ما فيها من بشر وحجر وزرع، وتنتقل إلى خارج الحدود، لتشمل المقاومة الفلسطينية “حماس”، وبالأمس كان القرار بضم كل روابط جماهير الرياضة المصرية إلى قائمة الإرهاب.
إلى جانب كل هؤلاء، هناك من تشملهم لائحة مبتكرة لقانون لقيط، لا نظير له في أكثر دول العالم استبداداً، أطلقوا عليه قانون الكيانات الإرهابية، يمكن بضغطة زر واحدة أن تتحول جميع جلسات المقاهي والمتنزهات وساحات الجامعات وأفنية المدارس ووسائل المواصلات العامة إلى حواضن لكيانات ومجموعات إرهابية، تبعاً لمزاج من بيده القرار السياسي والأمني، في البلاد.
ووفقا لهذا الجنون السياسي الذي تعيش عليه مصر، تجري أوسع عملية سطو على الحقوق الاقتصادية، واغتصاب الأملاك الخاصة بكل من لا يحبهم النظام، أو يعتبرهم من معارضيه، أو من غير مؤيديه، فكانت القرصنة على أموال وأصول وشركات كل من ينتمي إلى “الإخوان”، ثم إجراءات المصادرة والتحفظ على أموال الشخصيات العامة، في جميع المجالات، من التعليم إلى الصحة إلى الرياضة، حتى وصلنا إلى مرحلةٍ، يستطيع فيها أي صعلوك كاره لوجود محترمين في مجاله، الإبلاغ عمن لا يطيق نظافتهم ومحبة الناس لهم “وشاية مصطفى تونس بمحمد أبو تريكة نموذجا”، فيهرع العسس إلى الاستيلاء على كل ما يملك.
بوضوح شديد، يؤكد هذا النظام، بالدليل العملي، أنه يؤسس لمصر عديمة القيمة، المتجردة من أي التزام تاريخي أو أخلاقي، أو قانوني، وطبيعي في هذه الأجواء أن يكون “البقاء للأكثر انحطاطا”، و”الأقوى جرأة على القيم والمثل”، فيموت كل من يتمسك باحترامه نفسه، ولشعبه، قتلا، بأحكام القضاء، أو قتلا برصاص المؤسسة الأمنية وتوابعها من ميليشيات، أو تعذيبا وحرمانا من العلاج داخل السجون والمعتقلات.
ومن الطبيعي، إذن، وقد أعلنت سلطة عبد الفتاح السيسي، منذ البداية، محدداتها السياسية والفكرية، أن يكون مشروعها الوحيد هو إبادة جمهور يناير ومحو ثورته من الوجود. وعلى ذلك، لا يمكن اعتبار أن جملة أحكام أو قرارات الإعدام الصادرة أمس، تعبيرا عن كراهية لجماعة الإخوان فقط، بل تأتي في إطار عملية اجتثاث ثورة يناير، وتعبيراً، في الوقت نفسه، عن محبة للعدو الصهيوني، كونها تستهدف بالأساس مشروع المقاومة، للاحتلال والانقلاب معا.
لقد أعلنت مؤسسة الانقلاب، لصاحبها عبد الفتاح السيسي، قبل خمسة أيام من التنفيذ في 30 يونيو/ حزيران 2013 أنها جاءت للقضاء على ثورة يناير، فأن يصدر قاضي “تمرد” حكماً في قضية سجن وادي النطرون في 25 يونيو، رافضا الاعتداد بمذكرة عضو اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، حاتم بجاتو، التي تبرئ الرئيس محمد مرسي من الاتهامات بالهروب من السجن، والتي، على أساسها، قبلت أوراق ترشحه، فهذا يعني أن قرار الإعدام جاهز منذ عامين تقريبا.
في التوقيت نفسه، كانت القوات المسلحة تفتح القاعة الكبرى في معهد إعداد القادة، التابع لها، لمدير مكتب عمر سليمان، مدير مخابرات دولة مبارك، وصبية تمرد ليدعو للخروج للتخلص من ثورة يناير التي وصفها بالمؤامرة.
وحين تنظر في هذا العدد الكبير من المقاومين الفلسطينيين الذين طالتهم قرارات الإعدام، ومنهم من قضى شهيدا قبل سنوات، تدرك أنك بصدد عملية تصفية مخابراتية، وليست محاكمة قضائية عادلة.
مرة أخرى: هذا شخص قرر أن يحرق كل شيء كي يبقى في سلطته، يعدم معارضيه، ويقتل قضاته، ولا يتورع عن ارتكاب أي جريمة، أو حماقة، يتوهم أنها تطيل بقاءه في الحكم. وفي سبيل ذلك، يهمه أن يصنع الإرهاب بيديه، إن لم يكن موجوداً، كي يحيا على عوائد محاربته.
لقد جاءت هذه الحزمة من قرارات الإعدام، لتغلق كل ما تبقى من نوافذ مشرعة للحل السياسي، وتعلن أن النظام ماض في حربه على “الشعب الثاني” الذي لا يتمنى بقاءه على قيد الحياة، وتكشف عن حالة هلع هيستيري، يقود إلى الجنون تسيطر على سلطة فاشلة، كلما بدا أن فرصة اصطفاف تلوح في الأفق، وتوفر مناخاً مثالياً لكي يتخلص فيه “أهل يناير” من تلك المناكفات العقيمة، والمعايرات السقيمة، والاستسلام لسيكولوجية التخوين وتبادل القصف بالكلمات والاتهامات، بما لا يليق إلا بمجموعة من المنتحرين، بمشانق الثرثرة البذيئة.
استعيدوا سلاحكم “التوحد خلف قيم ومبادئ ثورة يناير”، أو جهزوا أكفانكم
عن موقع “العربي الجديد“