عندما يقذف المواطن الغيور بسهامه موقفا حشريا منفلتا من رقابة العقل، مفتقدا إلى خاصية التميز، شادا وشاردا عن الطوق، أو يحاسب سلوك مسئول أو مسئولة عن تدبير الشأن العام، ويضع أعماله/ها تحت المجهر لتحديد مواطن الخلل، وهوله، وشرنقة الزلل، ويخندق المسؤول/لة في بؤرة النقد والإنتقاد الذي أصبح غير مدرك للحقيقة الأصلية لشخصيته، معتقدا أنه فوق الرقيب/الوعي، وأن ما يقوله،أو يتفوه به تحت تأثير نرجسية موغلة، منبهرة منبهرة بعجرفة المسؤولية، في تقديس الذات، لا يمكن أن يموقعه في دائرة المساءلة والتتبع، ثم الإدانة.
زلة لسان مسؤول، لاتقاس ولا تسامت زلة لسان مواطن عاد، غير محكوم بنظريات سياسية أو تيارات مذهبية يسارها ويمينها، ما يجعلها بعيدة الاعتبارية أمام ما تجود به شخصية المسئول من فرضيات طقوس الإحترام والإعتداد بالآخر.
الإحساس الجمعي للكتلة المواطنة، تنفعل وتتفاعل مع كل زلة لسان حتى وإن كانت في أدنى مستويات التأثير والوقع.
قضية “جوج فرانك” التي طغت على شبكة التواصل الإجتماعي، وكشفت رهافة حس المواطن المتفاعل مع دينامية الجماعة التي تولد عنها إشكال ضاغط أرق المسؤولة بعد موجة الرفض حين اعتبرت المبالغ الخيالية التي يتقاضاها المسئولون مجرد “جوج فرانك”، لتطلب ضمنيا المزيد ثم المزيد، دون أن تضع في الحسابان أن الأموال التي يتقاضاها المسئولون مصدرها ضرائب المواطنين وعرقهم، وقواهم العضلية، وهي كل ما يملك المواطن البسيط في مغرب التناقضات والفوارق الطبقية، والذي غذا في ظل الحكومة الحالية هدفا لكل ما يضر بكرامته ومعيشه اليومي، بفعل(إصلاحات) زادت من معاناته ومكابداته.
كان الأحرى بالمسئولة، أن لا تعمق يأس المواطن، وتجذر بؤسه بخلق الفجوات العميقة بين مغاربة (الفوق) ومغاربة (التحت)، فقد روعت سكينة المواطن البسيط، حينما وقرت أذنيه باعتبار ما يتقاضاه المسئولون من تعويضات مجرد “جوج فرانك”، فالمواطن الذي يكد آناء الليل وأطراف النهار لتحوز “2 فرانك” مضروبة في عشرة، عساه أن يضمن لقمة عيش له ولعياله، وهو مبلغ زهيد إلى درجة الإجحاف مقارنة بالسخاء المالي الذي ينعم به مسئولو الدولة غير القانعين ب “2 فرانك”، تلخص أزمة الواقع المغربي، وانعكاس هذه الأزمة على المواطنين البسطاء، وقد كان من المفروض في السيدة الوزيرة بحكم مرجعيتها السياسية المعول عليها كتيار تقدمي أن تعمل على تصهير معاناة “البروليتاريا” التي تنتصر إليها سياسيا، ويعول عليها بحكم ذات المرجعية في أن تقدم مشروعا يناقض إقتصاد الريع، بأن تقدم اقتراح مشروع إلى البرلمان يفضي بتقنين نفقات هذا الجهاز، وحرمان البرلماني من التقاعد باعتبار عمله تطوعا، ما يعني إلغاء مفهوم الإمتياز ودرجة الإعتبار والإكتفاء بالتالي بنفقات تهم النقل والتغذية والإقامة خلال أيام الجلسات لاغير، وبذلك يتحقق جزءا يسيرا من الإصلاح الحقيقي ضدا على الإنفاق المالي المعمول به حاليا، والذي يبلغ درجة الإسراف.
أما أن تعتبر المسئولة التعويضات الخيالية التي لا تقارن بتعويضات بعض النواب الأوروبيين، والمعمول به حاليا مجرد )2 فرانك(، فذلك ما ولد الصدمة المزلزلة للحالة النفسية للفقراء المشكلين لهرم الساكنة بالمغرب، الذين أصابهم الوقر واستبد بهم الإندهاش أمام شراهة بعض المسئولين.
وإذا كانت المناسبة شرط، كما أكد فقهاء الأصول، فإن الواقع الكارثي الذي يعاني منه المغاربة المنسيون من أجل ذات الإصلاحات الحقيقية، الجذيرة بتغيير واقعهم الإجتماعي على الخصوص، يحيل إلى استحضار الموقف النبيل لرمز من رموز القيادة السياسية الناجحة ببلادنا الذي رفض تعويض تقاعده كرئيس للحكومة، لاعتقاده أن الراتب مشروط بالعمل، فهل يقتدي المسئولون بالأستاذ عبد الله إبراهيم، الذي أصبح ومن خلال سلوكه يفرض نظريته على كل من يمارس السياسة التي لا تنفصل عن الأخلاق والمبادئ.