أبرزت المناظرة المتلفزة مساء الأربعاء بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن، منافسته في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة الأحد، رؤيتيهما المتعارضتين لمستقبل الاتحاد الأوربي. ففي حين تريد مرشحة اليمين المتطرف تحويله “تدريجيا ” إلى “تحالف” بين “أمم” يرفع الرئيس المنتهية ولايته لواء “السيادة” و”الاستقلالية” الأوربيتين.
وشكل الخلاف بين ماكرون ولوبن حول مستقبل الاتحاد أحد محاور المعركة الكلامية التي دارت رحاها بينهما خلال مناظرتهما اليتيمة.
واتهم زعيم حزب “الجمهورية إلى الأمام” (وسط) زعيمة حزب “التجمع الوطني” (الجبهة الوطنية سابقا ) بـ”الكذب” على الناخبين، مؤكدا أن رغبتها الحقيقة هي “الانفرادية” في حين أن “المطلوب هو إصلاح أوربا وليس الخروج منها”.
وردا على هذا الاتهام قالت لوبن “أريد أن أبقى” في الاتحاد الأوربي لكن “أريد تعديله بعمق”، مؤكدة أنه “لا توجد سيادة أوربية، لأنه لا يوجد شعب أوربي واحد” ومشيرة بأصبع الاتهام إلى “اتفاقيات التجارة الحرة”.
إثر هزيمتها أمام ماكرون في انتخابات 2017، تخلت لوبن عن سعيها لمغادرة الاتحاد الأوربي، أو ما يسمى فريكست، لا سيما وأن غالبية الفرنسيين يؤيدون البقاء في التكتل. واليوم، باتت المرشحة اليمينية المتطرفة تدعو إلى “إنشاء تحالف أوربي بين أمم يحل تدريجيا محل الاتحاد الأوربي”.
وتقوم الخطة الجديدة للوبن، بحسب ما شرحت في المناظرة، على تنظيم استفتاء لتعديل الدستور الفرنسي من أجل أن ينص على سمو القوانين الفرنسية على تلك الأوربية وتضمينه كذلك مبدأ “الأولوية الوطنية” الذي من شأنه أن يمنح الأولوية للفرنسيين في الحصول على سكن اجتماعي أو تقديمات معينة.
لكن هذه التعديلات تتعارض مع المعاهدات الأوربية، وتمثل برأي العديد من الخبراء الذين استوضحت آراءهم وكالة فرانس برس فريكست “مقنعا ” أو “بحكم الأمر الواقع”.
وقال فرانشيسكو ساراتشينو، الخبير في “المرصد الفرنسي للظروف الاقتصادية” إن “دول الاتحاد الأوربي الأخرى لن تسمح لعضو مؤسس بأن يطبق هذا البرنامج. لا يمكن للاتحاد أن يسمح بوجود بولندا بقوة في صفوفه. ستكون هناك على الأرجح توترات شديدة للغاية”.
ولوبن التي تريد تغيير التحالف، وجهت مؤخرا انتقادا شديد اللهجة إلى ألمانيا، الشريك التقليدي لفرنسا، بسبب “خلافات استراتيجية لا يمكن التوفيق بينها” حول التعاون العسكري-الصناعي بين البلدين.
ولا تخفي لوبن قربها من المشككين بالوحدة الأوربية خارج حدود فرنسا، كبولندا والمجر على سبيل المثال، كما أنها لم تتوان عن دعم رئيس الوزراء المجري المحافظ فيكتور أوربان في رسالة مصورة بثت خلال أحد التجمعات الانتخابية.
لكن الخبيرة السياسية ناتالي براك تؤكد أن لوبن “لديها عددا قليلا جدا من الحلفاء على المستوى الأوربي. هناك حالة أوربان، لكن موقفها غير واضح في البرلمان الأوربي، منذ انسحب حزبها من حزب الشعب الأوربي”، التكتل اليميني في البرلمان الأوربي، وذلك في مارس 2021.
وتوضح الأستاذة في الجامعة الحرة في بروكسل أنه “منذ وقت طويل نسمع هذه الفكرة القائلة بتشكيل جبهة أوربية من يمين اليمين، لكن هذا الأمر لا يتحقق على أرض الواقع”.
أما ساراتشينو فيعتبر من جهته أن “التقارب الاستراتيجي بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، والذي تقول لوبن إنه سيحصل لا محالة ما أن تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها، هو أمر يصعب مجرد التفكير به في بولندا التي تختزن مشاعر عداء وتحد قديمة لروسيا”.
والتعارض بين ماكرون ولوبن ينسحب أيضا على الشق المالي.
قالت لوبن في المناظرة إنها تريد خفض مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوربي بمقدار 5 مليارات يورو إلى 26.4 مليار يورو هذا العام.
أما طرح ماكرون فهو العكس تماما، إذ إن الرئيس المنتهية ولايته شدد خلال المناظرة على “السيادة الوطنية والأوربية” وأوضح أن برنامجه يسعى لتحقيق “استقلالية أوربية طاقوية وتكنولوجية واستراتيجية”.
وفي رأي ساراتشينو فإن ماكرون ساهم في أن تقدم فرنسا وألمانيا “دعما كبيرا لخطة التعافي الأوربية” بلغت قيمته 750 مليار يورو لمواجهة كوفيد، معتبرا إياه “إنجازا لن يزول”.
أما المأخذ على الرئيس المنتهية ولايته، برأي الخبير الاقتصادي الإيطالي، فهو أن “لدى إيمانويل ماكرون نوعا ما السلوك الفرنسي المعتاد والقائل “نفذ ثم اعترض”، في حين أن الاتحاد غالبا ما يتم بناؤه من خلال تنازلات صغيرة. على سبيل المثال، عندما يتحدث عن ضريبة الكربون على الحدود الأوربية كما لو أنها أمر شبه محقق، في حين أن الوضع ليس كذلك على الإطلاق”.