بقلم / عمر الهرواشي
مما لاشك فيه أن القانون يستلزم الإخبار عن الجرائم تحت طائلة اعتبار ترك القيام بهذا الواجب جرما بعنوان عدم التبليغ، كما أن القانون ذهب أبعد من ذلك بأن خول – استثناء ” الصفة الضبطية ” التي تتمتع بها الضابطة القضائية في الأصل إلى عامة الناس لضبط الفاعل وتقديمه إلى أقرب مركز ضبطي في حال جرائم التلبس الجنائي أو الجنحي والمعاقب عليها بالحبس. (الفصل 76 من قانون المسطرة الجنائية الحالي/ 78 من القديم ). وبخصوص الموظفين وباقي السلط نجد أن المشرع الجنائي /المسطري دائما – اتجه مرة أخرى نحو رغبته في إشراك هذه السلط العامة والموظفين في أي قطاع يعملون بخصوص الإبلاغ (الفوري ) عن الجرائم المتناهية إلى علمهم، وجعل هذا التبليغ ” واجبا قانونيا ” وليس حقا، بحيث شتان بين المركزين القانونيين ( الحق / الواجب ). وإن لم يرتب المشرع هذه المادة (42) أي أثر أو جزاء قانوني على التقاعس والإحجام عن ممارسة وتنفيذ هذا الواجب .)
ويستشف هذا من خلال مقتضيات المادة 42 من قانون المسطرة الجنائية الحالي /39 من المسطرة القديمة، و مضمون المادة 42 من قانون المسطرة الجنائية نص على واجب إخبار كل موظف وكل سلطة / الفوري للنيابة العامة المختصة، وذلك أثناء مزاولة الوظيفة أو المهمة بارتكاب الجرائم التي تصل الى علمهم، أي يكفي العلم بوقوع الجريمة لقيام واجب ” إخطار” و إشعار النيابة العامة الفوري، ولم يستلزم المشرع في هذا النص معاينة الجريمة أو مشاهدتها أو ثبوتها، وفي ذات سياق توجه المشرع الجنائي الرامي إلى تحفيز وتشجيع التبليغ عن الجرائم صدر قانون رقم : 37.10 الخاص بحماية المبلغين والشهود والضحايا ….إيمانا من المشرع بالمخاطر التي تكتنف هذه المبادرة سواء بالنسبة للمبلغين من المواطنات والمواطنين عامة أو حتى التبليغ من لدن الموظفين أنفسهم .
ولعل واقعنا وتاريخنا حافل بالآف القضايا انقلب فيها السحر على الساحر بأن أصبح ” المبلغ” متهما والمبلغ ضده وعنه ” ضحية “، لاعتبارات عديدة في مقدمتها : سيادة تكريس ثقافة الإفلات من العقاب وعدم التعاون مع المبلغ – إن لم نقل – نبذه والنظر إليه بعين مقلوبة، وفي المقابل – عمليا دائما – يتم التعاطف في التعاطي مع المبلغ ضده ومؤازرته ومحاولة تغليب كفته بشتى الوسائل على خصمه ” المبلغ”، وهذه المقاربة سادت في الزمكان المغربي سواء قبل المسطرة الجنائية لأكتوبر 2002 أو بعدها، وهي كذلك – سواء قبل قانون 37.10 لحماية المبلغين عن الجرائم والشهود …أو بعد صدوره وسريانه، بحيث أن لا شيء تغير .
وفي الواقع المغربي كما قلت، أرشيف كامل بهذا الخصوص، كما انطلق من تجربتين لي مع التبليغ .الاولى بكلميم سنة 2000 وما بعدها بحيث كلفني التبليغ (كتابة / بموجب تقرير) عن احتجاز مال عام بغير وجه حق طبق الفصل241 ق ج و الفصل39 المسطرة الجنائية (حينذاك)، الفصل النهائي عن العمل ( العزل) بدعوى ” الفضول ” حسب التعبير المحلي والمركزي لأهل الاختصاص. لكن القضاء الاداري ألغى قرار الوزير / حينذاك لعدم مشروعيته ولتجاوزه القانون.ورجعت لعملي بعد26 شهر.من العزل. أماالتجربة الثانية بمدينة تزنيت سنة2015، حيث كلفني التبليغ الإخباري/ بموجب تقرير عن ممارسة التحرش الجنسي ( المشهود) وممارسة الجنس على امرأة كلفني ( توبيخ وتعطيل ترقيتي ل 5 سنوات )، وهو الإخبار المؤسس على المادة 42 و قانون 37.10، وهي الواقعة الجرمية التي لازلت أتحدى فيها مختلف خبراء القانون والقضاء في العالم أنها ثابتة -بالقرائن وغيرها من وسائل الإثبات… – رغم كافة أوجه التدخل لتغيير مجرى الحقيقة، وطمس الملف (قسرا). في إطار مقاربة : 4- 4 يساوي : 3 …. وهي الواقعة التي عرف التعاطي معها تحيزا واضحا وتعطيل قوانين ……. وهو ما كان موضوع شكاية إلى السيد وزير العدل في حينه، وجهت بالسلم الإداري، ولم أتلق أي رد عنها رغم اقتراب (اكتمال سنة عن توجيهها ..). وهو ما كان كذلك موضوع طلب بمقابلة السيد الوزير أعيد لي برفض توجيهه بعلة/ كتابية :” إن القضية شخصية ” وكأن من مارس الجنس مارسه ببيتي ومنزلي وليس ” بالإدارة” …. أرأيتم السيد الوزير المحترم : كيف يتم عمليا التعاطي مع ” المبلغين ” – اختصارا – ( لا تفصيلا، فكيف سيلقى منشوركم تجاوبا من عامة المواطنات والمواطنين وحتى من ( المخاطبين من المشرع / موظفين ….) أمام جرجرتهم بمجرد إيداع الإخبار الكتابي او الشفوي (تصريح ) ..ومتابعتهم وتشريدهم بالعزل أو بشتى أنواع العقوبات تأديبية كانت أو زجرية …..
تجذر الإشارة إلى ذلك، قد كنت من أوائل سنة 2000 من المنادين بضرورة سن قانون لحماية المبلغين ….وهو نداء لقي جوابا تشريعيا ب صدور قانون 37.10 . ولي الشرف أيضا أن دعيت 2015 لمرتين بضرورة تأسيس إطار مدني وطني في شكل ” هيئة حماية المبلغين ..وضحايا التبليغ …”. تأسست لجنة تحضيرية عقب النداءين … وهي النواة التي نعلق الآمال ان شاء الله على ميلادها بوطننا العزيز . وأملي ان يعاد النظر في طريقة التعاطي مع ” المبلغين عن الفساد بكيفية خاصة وعن مختلف الجرائم بصفة عامة