سعيد الغماز
كثيرا ما نسمع عن ملاحم المغاربة عبر التاريخ، وكثيرا ما نسمع عن ثورة الملك والشعب التي يخلدها المغاربة كل يوم العشرين من شهر غشت، ويخلد معها ملحمة من أعظم الملاحم التي سطرها شعب المملكة المغربية. حين تجرأ الاستعمار الفرنسي على سلطان البلاد، وقام بنفيه، سطر المغاربة ملحمة ثورة الملك والشعب، جعلت الاستعمار يعيد أوراقه ويبحث عن تعميق فهمه لعلاقة المغاربة بملوكهم.
بعد الاستقلال، تشكلت في فرنسا طبقة سياسية، بصمت التاريخ السياسي الفرنسي بمستوى عال من النضج الثقافي والوعي السياسي. كلنا نتذكر تلك المناظرات التي كانت تجمع المتسابقين نحو رئاسة الجمهورية الفرنسية. ويمكننا في هذا الصدد أن نذكر على سبيل المثال مناظرة جيسكار ديستان مع جاك شيراك، ومناظرة هذا الأخير مع فرانسوا ميتران. هؤلاء القادة الفرنسيون كانوا يدركون حقيقة العلاقة التي تجمع بين الشعب المغربي ونظامه الملكي. فكما كانوا يتسمون بالكفاءة في تدبير بلدهم، كانوا في ذات الوقت يدركون قيمة المملكة المغربية بمؤسساتها وبملكها وبشعبها. في حكم هؤلاء، كانت العلاقات المغربية الفرنسية جيدة ومتينة لأنها تجمع بين نخب فرنسية واعية وفي المستوى ومملكة مغربية عظيمة بتاريخها العريق وقيمتها الحضارية. كانت العلاقات جيدة لأنها تجمع بين الكبار.
لكن فراغ الساحة السياسية الفرنسية، وتدني مستوى نخبها السياسية، جعل الممارسة السياسية في هذا البلد تفقد وهجها الذي تركه ديغول وجيسكار ديستان وجاك شيراك وفرانسوا ميتيرون. الفراغ المتواصل للساحة السياسية الفرنسية، جعلها تدخل في نفق الرداءة لتصل إلى ما وصلت إليه في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. وبطبيعة الحال فإن الرداءة لا يمكنها أن تقيم علاقات جيدة مع حضارة ضاربة في التاريخ. يبدو أن الرئيس الفرنسي، وبعض النخب السياسية، وطيف من الإعلام الفرنسي، لم يستوعبوا لا العلاقات التاريخية التي كانت تجمع المغرب بالنخب الفرنسية المثقفة والكفؤة سياسيا، ولا العلاقات التي تجمع بين الشعب المغربي والمؤسسة الملكية. لقد ابتليت فرنسا بنخب سياسية انحدرت لمستوى جعلها تتفقد بوصلة التعامل مع المملكة المغربية، الأمر الذي جعلها تكون خارج لائحة الدول التي قبل المغرب التدخل للإعانة في مواجهة مخلفات الزلزال.
وعوض أن تراجع تلك النخب السياسية أوراقها، وترتقي لمستوى نخبها الماضية، اختار الرئيس الفرنسي توجيه خطاب للمغاربة وتحريض بعض الأدوات الإعلامية. لكن النتيجة كانت عكسية، إذ استهجن كل المغاربة خطاب ماكرون، وزاد التحام المغاربة مع المؤسسة الملكية. الأمر الذي جعل تلك النخب السياسية الفرنسية بإعلامها تدخل مرحلة الذهول وعدم الفهم. فهي فعلا نخب تعيش على هامش التاريخ، ولا تملك مقومات فهم التاريخ الحضاري للمغاربة بمؤسستهم الملكية.
حين تملك النخب السياسية الفرنسية أدوات فهم تاريخ وحضارة الأمة المغربية، آنذاك يمكننا الحديث عن علاقات جيدة مع فرنسا كما كانت في عهد النخب السياسية الحقيقية وليس نخب الكارطون الحالية.
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الملاحظ جورنال و إنما تعبر عن رأي صاحبها.