حاوره / حسن الحماوي
بالرغم من العناية الفائقة التي يحظى بها قطاع التربية التكوين من طرف الدولة وكل المشاريع والبرامج والمخططات والملايير التي صرفت على هذا القطاع من أجل تحسين جودة التعليم ليكن قاطرة لكل القطاعات الأخرى، إلا أن هذا القطاع الحيوي والبنيوي في شرايين الدولة ما يزال يتخبط في عدة مشاكل هيكلية تمس جوهر العملية التعليمية، مما يجعل كل اصلاح رهين بإصلاح جوهري وشمولي لمنظومة التربية والتكوين وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية وشخص الأستاذ بإعتباره مربط الفرس في كل إصلاح .
في هذا العدد من ملف التربية والتعليم نفتح ملف الأساتذة المبرزين لتسليط الضوء على واقع شهادة التبريز بالمغرب في انتظار إخراج قانون أساسي منصف لهذه الفئة من رجال التعليم ،والتي تظم نخبة التعليم المغربي في المنظومة التربوية، لما لها من كفاءة تربوية وعلمية كلفت ميزانية ضخمة في تكوينها العلمي والبيداغوجي العميق والشمولي المتميز. الحوار التالي يرصد واقع شهادة التبريز وتطلعات الأساتذة المبرزين وكذلك جوانب الحيف وعدم الإنصاف في حق هذه الفئة من الأساتذة مع الأستاذ عصام حجلي أحد الأساتذة المبرزين في اللغة العربية.
• بداية من يكون عصام حجلي ؟
أستاذ مبرز في اللغة العربية وادابها، اشتغلت سابقا بمدينة اليوسفية واشتغل حاليا بالدار البيضاء ،بعد حصولي على شهادة البكالوريا شعبة الاداب بميزة حسن بثانوية خديجة ام المؤمنين بالبيضاء، انتقلت الى العاصمة الرباط وبالضبط ثانوية عمر الخيام حيث تلقيت تكوينا في شعبة الاداب والعلوم الانسانية “فوج نيل استكمال الدروس بالاقسام التحضيرية” وبعد اجتيازي لمباراة الالتحاق بسلك التبريز بالمدرسة العليا للاساتذة بنجاح توجت بحصولي على شهادة التبريز سنة 2011 ،بعد اجتياز مباراة التخرج بنجاح في شقيها الكتابي والشفوي.
• ما هي الدوافع التي جعلتك تختار دخول سلك التبريز بالذات؟
صراحة الصدفة والقدر الإلهي لم أكن أعرف شيئا عن هذا المجال، إلى الوقت الذي جاء فيه الموجه المدرسي إلى الثانوية وتحدث لنا عن الأفاق ما بعد البكالوريا، ومنها الأقسام التحضيرية للمدارس العليا، وكانت إدارة المؤسسة قد توصلت بمراسلة بشان الأقسام التحضيرية، في هذه المرحلة كان لي علاقة صداقة حميمية مع صديقي إدريس عليلو أستاذ مبرز في اللغة العربية ،كان يدرس بنفس المؤسسة وشرح لي مسار الأقسام التحضيرية ومسار التبريز ،هنا فهمت ماذا ينتظر الطالب في هذا السلك، أما قصة اإرسال ملفي فتلك قصة أخرى، ويبقى جانب التكوين في ان أصبح مدرسا هو الدافع الأساسي ،إضافة إلى هاجس تحسين الحالة الإجتماعية والوضع المادي .
• بماذا يمكن تعريف نظام التبريز وما سياقات إحداثه داخل منظومة التعليم المغربية وماهي الرهانات التي تخوضها الوزارة من خلال هذا السلك ؟
سنة 1988 تم الشروع في تكوين الأساتذة المبرزين في المغرب بهدف الرفع من جودة التعليم المغربي ،وتكوين أساتذة ذوي كفاءة علمية وبيذاغوجية متميزة . وتنص مضامين المادة 13 من الباب الرابع الخاص بالأساتذة المبرزين من النظام الاساسي الخاص بموظفي التربية والتكوين ،إن الأستاذ المبرز يقوم بمهام التدريس في الأقسام التحضيرية لدخول المعاهد والمدارس العليا وأقسام تحضير شهادة التقني العالي، ومراكز التكوين والاقسام النهائية للتعليم الثانوي التأهيلي، ونشير الى ان المباراة الوطنية تشرف عليها لجنة مشتركة من أساتذة مغار بة وفرنسيين وتصصح أوراق التحرير بفرنسا، وهنا تصبح فرصة النجاح محدودة ،ويمكن القول بأن تمة مفارقات صارخة في رؤية وتصور الوزارة الوصية لسلك التبريز، مقارنة مع نظيره بلده الأصل في فرنسا أو تونس ،ففي فرنسا مثلا ترتبط شهادة التبريز بالموضوعية والخبرة والتخصصات العالية ،ويشكل الأساتذة المبرزين أساس التعليم في بلاد الأنوار في جميع الشعب والتخصصات ، فتناط بهم مهام استراتيجية داخل التعليم الفرنسي، فعلى مدى قرنين لعب المبرزون في فرنسا دور الخبير الميداني والمخطط للسياسات التعليمية ،إلا أن واقع هذه الشهادة في المغرب يعرف نوعا من عدم الإنصاف في حق أساتذة من نخبة التعليم المغربي، و لايختلف اثنان في أن الوزارة أسندت مجموعة من المهام لهذه الفئة من خلال حضورهم في التعليم الثانوي التأهيلي والتعليم التقني العالي ومدارس تكوين الأطر ،إلا أ ن الأستاذ المبرز ما يزال يواجه نوعا من التجاهل من طرف الدولة، فمهما يكن الأستاذ المبرز فهو قادر على القيام بعمل ثلاثة أساتذة باحثين، بمعنى أنه بإمكانه الإشتغال أستاذا مساعدا أو أستاذا مؤهلا أو أستاذ جامعيا .
• بمعنى ان هناك تراجع في الاقبال على سلك التبريز ؟
في ظل غياب قانون أساسي منصف وعادل يكون اختيار هذا السلك من ضرب العبث ، فمن الأحسن عدم المخاطرة في سلك المباراة الغير المضمونة النجاح باجتياز مباراة الترقي مباشرة أو الترقي بشهادة الماستر كوسيلة مضمونة نسبيا على خوض غمار مباراة التبريز.
• هذا يعني وجود صعوبات جمة بسلك التبريز؟
يعد التكوين في هذا السلك من أصعب التكوينات في قطاع التربية والتكوين ،حيث تناط مهمة التكوين بطاقم من الدكاترة الأكفاء ، وبعد نهاية التكوين يجتاز الطلبة امتحانات غير إنسانية متعددة وقاسية ،تشرف عليها لجنة وطنية مستقلة.
• كيف نظرت الى خطوة مقاطعة الأساتذة المبرزين للإمتحانات ومجالس الأقسام سنة 2012؟
الخطوة النضالية التي أقدم عليها المبرزون عام 2012 من خلال مقاطعة جميع أطوار المباريات والامتحانات الكتابية والشفوية ، ومقاطعة مجالس الأقسام بمختلف الأسلاك والمستويات التعليمية شكلت منعطفا مهما في علاقة المبرزين بوزارة الوفا أنذاك، كما يمكن القول ان الأساتذة المبرزين أخطاوا وارتكبوا خطأ تكتيكيا من خلال مقاطعتهم للإمتحانات في وقت قالت فيه الوزارة ان الأساتذة المبرزين الحقوا ضررا بمصالح التلميذ المغربي واقحموا أبناء الشعب في نضالاتهم المطلبية، لكن هذا ليس مبررا لمعاقبة الأستاذ المبرز بخصم شهر من راتبه سيما وأن هذه الفئة من رجال التعليم تلعب دورا محوريا في تكوين نخبة من الطلبة سواء داخل المغرب أو خارجه ،ويحققون أحسن النتائج ويلمعون صورة التعليم المغربي .صحيح أنه لامبرر للزج بمصالح الطالب المغربي في لعبة النضالات مع الوزارة الوصية ،إلا ان الشعور بعدم الإنصاف والتجاهل وحالة الإنتظارية ياتي بعد الإتفاق بين النقابات الأكثر تمثيلية والترقب في إصدار قانون أساسي جعل فئة الاساتذة المبرزين تخوض عدة نضالات وتصعد من احتجاجاتها ، يأتي كل هذا بعد اتفاقيتين للنقابات الأكثر تمثيلية والوزارة الوصية يوم 19 ابريل2011 والقاضي بإصدار نظام أساسي خاص بالهيأة ثم تحديد تاريخ تنزيله في نهاية يوليوز 2011 ،إلا أن الاساتذة المبرزون فوجئوا بتخلي الوزارة عن تنفيذ بنوذ الإتفاق .
• مع حكومة التناوب التوافقي كان ملف الأساتذة المبرزين قريبا من الحل في مرحلة الوزير الاستاذ عبد الله ساعف ، إذ تم الإتفاق على قانون أساسي يعطي للأستاذ المبرز قيمته التي تقدر من خلال وضعيته المادية والمعنوية، ما هو سياق هذا الإتفاق ؟.
في هذا السياق تم الإتفاق على خلق نظام خاص بالمبرز يضمن له حقوقه ويجعل هذا الإطار يحقق عنصر الجودة المتوخاة من مجال التعليم ،ولا يتم تحقيق هذا الهدف دون إنصاف هياة الأساتذة المبرزين والإهتمام بهم ، وأثناء مشاورات الوزارة مع جمعية المبرزين و النقابات المتتبعة للملف، تم التوصل الى اتفاق بخصوص مشروع نظام أساسي تم البدء ب509 كرقم إستدلالي وتم اقتراح الدرجات الثلاث إلا أن الأمور توقفت هنا.