“لا بيت لك في وطنك: الحكومة تشرعن الغربة الداخلية”
في الوقت الذي يعيش فيه المواطن المغربي تحت وطأة أزمة سكن خانقة، اختارت الحكومة أن تسلك طريقًا يبدو مغايرًا للانتظارات الشعبية، معلنة عن خطة لإحداث مساكن موجهة للكراء، بدل اعتماد سياسات تمليك تضمن الكرامة والاستقرار الاجتماعي. هذا التوجه يطرح تساؤلات جوهرية حول خلفياته الاقتصادية وأبعاده الاجتماعية، بل ويثير مخاوف حقيقية من كونه يؤسس لمرحلة جديدة من التبعية والتجريد من الحق في التملك.
منطق المنفعة لا منطق الكرامة
السكن في جوهره ليس مجرد جدران وسقف، بل هو تجسيد لحق أصيل من حقوق الإنسان، وركيزة للاستقرار النفسي والاجتماعي. غير أن الحكومة، باعتمادها هذا النموذج الجديد، تبدو وكأنها تسير عكس هذا المبدأ، حيث تجعل من المواطن مستأجرًا دائمًا، يكدّ عمره كله ليؤمن كراءً مؤقتًا، دون أفق للتمليك أو أمل في الاستقرار.
فما معنى أن توفر الدولة مساكن للكراء فقط، إن لم يكن ذلك تعبيرًا ضمنيًا عن رفضها تمكين المواطن من تملك مسكنه؟ أليس في ذلك تهميش صريح لحلم مشروع لطالما حمله المغربي في وجدانه، وهو أن يمتلك بيتًا يأويه وأسرته، ويورثه لأبنائه من بعده؟
خطة بلا عدالة اجتماعية
خطة الحكومة ليست فقط غير منصفة، بل إنها تفتقر لأدنى مقومات العدالة الاجتماعية. فهي تقفز على جوهر الأزمة، المتمثل في ضعف القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار العقار، وصعوبة الولوج إلى التمويلات البنكية، لتقترح حلاً سطحيًا لا يلامس جذور المشكل. والمثير للقلق أن هذه الخطة قد تفتح الباب أمام مستثمرين خواص لإنشاء مشاريع كراء جماعي مدعومة من الدولة، ما يعني تحويل الأزمة إلى سوق مربح يخدم فئة محددة ويقصي باقي المجتمع.
مستقبل بلا أفق للتمكين
إذا كانت الدولة نفسها قد قررت ألا تمكّن المواطن من التمليك، فمن عساه يفعل؟ إن حصر دور الدولة في توفير مساكن للكراء، بدل توفير سبل حقيقية للتمليك، يعدّ تنصلًا من مسؤولياتها الدستورية، وتخليًا عن دورها الاجتماعي في رعاية الطبقة الوسطى والفقيرة. فالكراء لا يصنع طبقة مستقرة، بل يعمّق هشاشة قائمة، ويكرّس شعورًا دائمًا بالغربة داخل الوطن.
تمليك السكن حق لا مزيّة
السكن ليس امتيازًا تمنحه الدولة متى شاءت ولمن شاءت، بل هو حق واجب التمكين. والمطلوب اليوم ليس فقط نقد هذه السياسة الجديدة، بل المطالبة بإعادة توجيهها نحو سياسات تمليك عادلة، تضع المواطن في صلب المعادلة، لا على هامشها. فبلد لا يستطيع مواطنوه تملك مسكن، هو بلد يبني مستقبله على رمال متحركة.