الصحراء المغربية: من شرعية التاريخ إلى أفق التنمية المستدامة

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تشكل الصحراء المغربية أكثر من مجرد مجال جغرافي، فهي جوهر أصيل من الهوية الوطنية وامتداد طبيعي لتاريخ الدولة المغربية. فمنذ قرون طويلة، ظلت القبائل الصحراوية جزءًا من النسيج السياسي والاقتصادي والثقافي للمغرب، تقدم البيعة لملوكه وتساهم في الدفاع عن وحدته الترابية. هذا الارتباط العميق بين الأرض والإنسان منح المغرب شرعية تاريخية وسياسية لا جدال فيها بخصوص سيادته على أقاليمه الجنوبية.

غير أن المغرب، وبقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، لم يقف عند حدود التمسك بالشرعية التاريخية، بل حوّل الصحراء إلى رافعة تنموية كبرى وورش استراتيجي لتجسيد رؤيته لمغرب متوازن ومندمج. فمنذ استرجاع الأقاليم الجنوبية، انطلقت مشاريع ضخمة في البنية التحتية والاقتصاد والخدمات، كان من أبرزها بناء الطرق السريعة، وتشييد موانئ استراتيجية كـميناء الداخلة الأطلسي، إلى جانب مطارات حديثة، جعلت من الصحراء جسرًا للتواصل والاستثمار مع إفريقيا وأوروبا.

اقتصاديًا، انفتحت المنطقة على آفاق جديدة بفضل الطاقات المتجددة والصيد البحري والسياحة الإيكولوجية. فقد تحولت العيون والداخلة إلى مراكز صاعدة في إنتاج الطاقة النظيفة، انسجامًا مع التوجه الوطني لمكافحة التغير المناخي وتعزيز السيادة الطاقية. كما أسهمت الاستثمارات في القطاعات البحرية والسياحية في تنويع القاعدة الاقتصادية وخلق فرص شغل للشباب والنساء، ضمن رؤية تشاركية تؤكد مكانة الإنسان في قلب التنمية.

وعلى المستوى الاجتماعي، عززت برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومخططات التكوين والتأهيل فرص الإدماج الاقتصادي، ما انعكس إيجابًا على مؤشرات التنمية البشرية وخفض نسب البطالة. وهو ما جعل الساكنة الصحراوية شريكًا فاعلًا في المشروع الوطني، تزداد قناعتها يومًا بعد يوم بأن الانتماء للمغرب هو انتماء إلى وطن يحمي حقوقها ويفتح أمامها آفاق المستقبل.

سياسيًا، شكّل مقترح الحكم الذاتي لسنة 2007 منعطفًا حاسمًا في تدبير النزاع المفتعل، إذ وفر أرضية واقعية وذات مصداقية تقوم على منح الساكنة الصحراوية صلاحيات موسعة في إطار سيادة المملكة. هذا الطرح حظي بدعم متزايد من قوى دولية وازنة، رسخ مكانة المغرب كفاعل مسؤول يسعى إلى الحلول السلمية المستندة إلى الواقعية والجدية.

إن الانتقال من مجرد الدفاع عن السيادة الترابية إلى بناء مشروع تنموي شامل ومندمج، يعكس رؤية استراتيجية تجعل من الصحراء نموذجًا مغربيًا فريدًا للعدالة المجالية والتكامل الاقتصادي. فهي لم تعد فقط ساحة لصراع مفتعل، بل صارت مختبرًا لبناء مغرب الغد: مغرب التنمية المستدامة، والاندماج الإقليمي، والريادة القارية.

وهكذا، فإن الصحراء المغربية اليوم ليست مجرد قضية حدود أو نزاع دبلوماسي، بل هي عنوان لهوية وطنية راسخة، وفضاء لمستقبل واعد يترجم إرادة المغرب في الجمع بين حماية الوحدة الترابية وبناء نموذج تنموي متجدد يليق بتاريخها العريق وطموحات أبنائها.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.