البورجوازية غير الوطنية في المغرب.. ثروة بلا انتماء
تشكل البورجوازية غير الوطنية في المغرب إحدى الظواهر المقلقة التي تعكس عمق الخلل في منظومة القيم الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد. فبدل أن تكون هذه الفئة المالكة لرأس المال شريكا في التنمية وبناء الوطن، أصبحت في حالات كثيرة رمزا للأنانية والبحث عن الربح السريع، ولو على حساب المصلحة العامة.
لقد تحولت بعض شرائح البورجوازية المغربية من قوة منتجة إلى فئة مستهلكة للامتيازات، تعيش على اقتصاد الريع والمضاربات، وتتهرب من الضرائب، وتنقل جزءا من أموالها إلى الخارج، وكأن الوطن مجرد محطة مؤقتة لتجميع الثروة لا أكثر. فهي لا تستثمر في المشاريع المبدعة ولا في الصناعات الوطنية، بل تفضل المجالات السهلة ذات الربح السريع، مثل العقار والمضاربات المالية، دون خلق فرص حقيقية للشغل أو دعم الابتكار المحلي.
هذه السلوكيات تكرس الفوارق الطبقية وتعزز الإحساس بالظلم الاجتماعي، إذ يرى المواطن البسيط أن النجاح في بلده لا يتحقق بالكفاءة ولا بالعمل، بل بالنفوذ والعلاقات والمصالح الضيقة. وهكذا تتراجع روح المواطنة، وتضعف الثقة في المؤسسات، ويتحول الاقتصاد الوطني إلى مجال مغلق تتحكم فيه أقلية محدودة لا يهمها سوى تضخيم أرباحها.
إن البورجوازية غير الوطنية لا تمثل فقط مشكلة اقتصادية، بل أزمة قيمية تمس جوهر الانتماء للوطن. فالوطنية ليست مجرد شعار، بل التزام عملي بالمساهمة في تنمية البلاد واحترام قوانينها والمشاركة في حل مشاكلها. والمغرب في حاجة ماسة اليوم إلى بورجوازية وطنية جديدة، مؤمنة بأن الربح الحقيقي هو في بناء الوطن لا في استغلاله، وفي خلق فرص العمل لا في احتكارها، وفي دعم العدالة الاجتماعية لا في الهروب منها.
فالثروة التي لا تخدم الوطن تتحول إلى عبء عليه، والمال الذي لا يُستثمر في مصلحة المجتمع يفقد قيمته الأخلاقية. وحدها البورجوازية المواطنة القادرة على تحقيق التوازن بين الربح والمسؤولية، وبين النجاح الفردي والواجب الجماعي، هي التي تستحق أن تُسمى فعلا رافعة من روافع التنمية المغربية.