في قلب النقاش العمومي حول الدعم الاجتماعي: هل تُفلح الحكومة في سدّ ثغرات المؤشر الاجتماعي وتوسيع عدالة الاستفادة؟
يشهد ورش الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب مرحلة دقيقة من التحول، بعدما أثارت مجموعة من الأصوات البرلمانية، خصوصاً من صفوف المعارضة، انتقادات واسعة لمنهجية احتساب المؤشر الاجتماعي الذي يحدد المستفيدين من الدعم. هذا النقاش تفاعل معه الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، الذي قدم اليوم الاثنين أمام مجلس النواب معطيات وتوضيحات دقيقة حول سير هذا الورش الإصلاحي، مؤكداً أن النظام الجديد يمثل محطة مركزية في مسار تعميم الحماية الاجتماعية وفق الرؤية الملكية.
وأوضح لقجع أن الانتقال من الملفات الورقية التقليدية إلى نظام رقمي متطور مبني على معطيات دقيقة وتحليل متعدد المتغيرات، مكّن من تحسين مستوى الاستهداف وتقليص الأخطاء التي كانت تشوب عملية تحديد الفئات الأولى بالدعم. وأضاف أن اعتماد مجموعة واسعة من المعايير في الوسطين الحضري والقروي يسمح بالتقاط الفوارق المجالية والاجتماعية بدقة أكبر، في إطار إصلاح تدريجي يفترض أن يُصحَّح كلما ظهرت معطيات جديدة.
ووفق الأرقام المقدمة، فقد حققت المنظومة الجديدة تغطية واسعة شملت ملايين المستفيدين خلال الأشهر الأخيرة، ما يعكس توسع قاعدة الدعم بشكل غير مسبوق. وأشار الوزير إلى أن أكثر من نصف الأسر التي لم تكن تستفيد سابقاً من التعويضات العائلية أصبحت اليوم ضمن المستفيدين من الدعم المباشر، وهو تحول نوعي في توجيه الدعم العمومي نحو الطبقات الهشة.
ولفت لقجع إلى أن عمليات صرف الدعم تمت بوتيرة مستقرة إلى غاية نهاية نونبر، مع تسجيل تحسن ملحوظ في جودة الاستهداف. لكنه لم يخفِ وجود حالات استثنائية تعرّضت للتضرر بسبب ثغرات تقنية، من قبيل ارتفاع المؤشر الاجتماعي بشكل غير مقصود نتيجة تغييرات بسيطة في نمط الاستهلاك، كإعادة شحن رصيد الهاتف أو الاشتراك في منصة رقمية، ما أدى إلى توقف الدعم عن بعض الأسر.
وشدد المسؤول الحكومي على أن معالجة هذه الحالات يتطلب تحيينًا مستمرًا للمعايير التقنية، مؤكدا أن النظام الرقمي، رغم حداثته، يبقى قابلاً للتطوير الدائم استناداً إلى نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 ومعطيات اجتماعية واقتصادية محدثة.
ويرى لقجع أن القدرة على قراءة وتحليل قاعدة البيانات الجديدة تشكل نقطة قوة جوهرية، لأنها تسمح بتصحيح الاختلالات السابقة وتوجيه الدعم نحو المستحقين الفعليين. وأبرز في السياق ذاته أن المرحلة الجديدة تمثل قطيعة مع زمن الممارسات الورقية التي كانت تعاني من محدودية المعطيات وعدم دقة المعالجة.
وقال الوزير إن طموح الحكومة يتجاوز تقديم مبالغ مالية شهرية، ليصل إلى قياس الأثر الفعلي للدعم على المسار الاجتماعي والاقتصادي للأسر، خاصة الفئات الهشة، وتحسين مؤشرات الطفولة والأمومة، إضافة إلى دعم قدرة المستفيدين على الارتقاء الاجتماعي والاستقلال الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، يأتي إحداث الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي وتوسيع تمثيلياتها عبر الأقاليم لتعزيز المواكبة القريبة من الأسر وتتبع أوضاعها بدقة أكبر، بما يسمح بتقييم الأثر الحقيقي للمنظومة وتحسين أدائها.
وتؤكد الحكومة أن بناء نظام دعم اجتماعي منصف وفعال يمر عبر عملية إصلاح مستمرة، وأن هذه المرحلة تمثل خطوة ضمن مسار طويل يهدف إلى ضمان توزيع أكثر إنصافاً للدعم العمومي. وبينما تستمر المطالب البرلمانية بتقليص الثغرات التقنية، يبدو أن الورش يسير نحو إعادة ضبط آلياته بما يتماشى مع تطلعات المواطنين والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغرب.