نوعية الموضوعات التي تساقط على المشاهد، وتصدم القارئ، وتزلزل رؤيته لمحيطه الإجتماعي، وهو يتصفح مواقع التواصل الإجتماعي، بما تقدمه من بارقة إعلامية عصية التصنيف، تطرح أكثر من سؤال عن واقع الإعلام بمراكش الذي اختار له بعض”مهنييه” مسارا يكاد يكون عاما وشموليا، موغلا في الجمود والتكلس، يستجدي الحديث المستدام عن الجريمة وأخواتها، يستمد تيماته من محاضر معينة، معدة سلفا، تلغي شخصية الناقل/ الكاتب (الإعلامي)، وتقدم للقارئ وجبات إعلامية جامدة في أطباق “السبق الفاخرة”، غذاؤها الدم و “العته” و “الجنس المبشر، و “النبش في صفيح الفضائح”، مما يغر صدر المشاهد/ القارئ، ويوقر سمعه ويمده بالغث من الأخبار، والسمين من الأوزار، الشيء الذي لا يضيف جديدا، اللهم، تكريس مسلسل الدم، و”مكيجة” مشاهد البؤس الأخلاقي والإجتماعي، بطرق مبتذلة لا تغوص في أعماق الظواهر الإجتماعية والثقافية، بله السياسية، بل قصارى جهد (المكيتبين) استعراض تجليات النكد واليأس والبؤس والغثيان.
من ضمن الأسئلة المحورية التي يشي بها واقع الإعلام بمراكش، ذلك، المبني على غياب النوع، شأن غياب القدرة على التعامل مع الأحداث لغرض سبر أغوارها، بدل عرضها في صور مكرورة، معارة ومقلدة ميتة الروح واالجسد، مقززة ومقرفة، باعثة على الملل المطلق، متدثرة بسودوية موغلة في التشاؤم، والنظر إلى الواقع من خلال صفحاته الإستعراضية، القاتمة لا غير.
القيام بجرد موضوعي للنشرات اليومية للمواقع، وباعتبار التشريح الأحادي البعد، يسعف في إدراك أن اللهث وراء الخبر، يحيل ذات المواقع إلى صورة كئيبة للعمل الإعلامي الذي يتصيد أخبار الدرجتين “الثالثة” أو “الرابعة”، أحيانا، ويقدمها صيدا إعلاميا ثمينا غير مسبوق، بفعل غريزة السبق التي تعمي الأبصار، وتصم الآذان، وفي ذلك، استغفال للقارئ/ السامع، وإهانة له، كما يوحي بذلك داء (التسطيل)، الذي يصاب به بعض أرانب السباق نحو تداول الخبر، ما يرسخ الإعتقاد بالقدرة على تقديم الخبر، وما هم بقادرين على ذلك، لكونهم “فاقدين” لحس التمييز بين درجة الأخبار، غثها وسمينها، ديدنهم تبليد القارئ، دون إدراك بشاعة ما يقومون به.
الزمن الإعلامي بمراكش بظواهره الإجتماعية وغيرها، تستحق فعلا التناول بالدرس والتحليل، لتحديد مكامن الخلل بمفاصلها، وتحيين واقعها، واقتراح الحلول البديلة، الكفيلة بتذويب و “فرملة” دوافعها، إن بالترميم أو التبليط، وحتى بالتلحيم، وذلك، أضعف الإيمان.
قطعا، لن يتحقق التغيير الإعلامي بمراكش، من خلال “أخبار الزنقة”، القائمة على الترقيع واستنزاف وقت المتتبع، والتي تتناول تقاطعات الحياة اليومية عبر توظيف (كليشيهات) مقلوبة، وسلبيات الزمن الأسود، واللحظة (الدراكولية) التي تقتات من و بالدم، إذ الموضوعات مطروحة في في الطريق يدركها الفطين والنبيه، كما يدركها الغافل المصاب بعمى الألوان، فالشأن كل الشأن في القدرة على إدارة أزمة الإختيارات، والإقبال على تحويل منطوق الأقلام المشروخة، المصابة بداء العجز إلى إزميل ينحث من صخر الواقع، عوض الإحتماء بتصيد الأخبار الممجوجة غير المستساغة.
ما يرجى من محترفي فن الكتابة، هو تملك وتحوز القدرة على النبش في الواقع لاستكناه خصوبته، واستثمار ثراءه، واقتضاء الإكتفاء بملامسة سجوفه، والقيلولة في غلالته المخملية… ذلك، أقل ما يرجى من الكتاب الأعزاء !!!