الزيارة التي يقوم بها وفد أمني إيراني إلى الدوحة خلال هذا الأسبوع ليست عادية. و رغم تذكير الطرفين، الإيراني و القطري، كون الزيارة تندرج في إطار الإتفاق الأمني المبرم بين البلدين في 2010 ، فإن سياق الحدث يفرض نفسه و يمنح أبعادا أخرى لتنقل الوفد الإيراني نحو قطر.
فهاته الأخيرة تعاني من عزلة سياسية قاتلة بعد سحب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة و مملكة البحرين لسفرائها في الخامس من مارس المنصرم، فيما تستعد إيران لاستعادة هيمنتها على المنطقة واسترجاع مجدها الفارسي، بين مزدوجتين، أيام حكم الشاه ، حين فرضت صولتها على هذا الحيز الجغرافي الإستراتيجي، بينما كانت دول الخليج ما تزال تتلمس طريقها نحو إرساء دعائم كيان الدولة، إلى حين التئامها في منظومة مجلس التعاون الخليجي.
ومما عزز من مطامح و مطامع طهران في المنطقة، انتخاب حسن روحاني رئيسا جديدا للبلاد في الخامس عشر من شهر يونيو من السنة الماضية ، خلفا لأحمدي نجاد، الذي كان يمثل تيار المتشددين في المشهد السياسي الإيراني هذا التيار الذي أحكم سيطرته على البلاد منذ قيام ما سمي ثورة الخميني في 1979 . ودخلت إيران إذ ذاك في عزلة دولية جراء انتهاجها لسياسة متشددة، و مؤازرتها للكيانات ذات المنحى المتطرف ،أو دعمها السياسي و المسلح لجماعات إرهابية في بؤر متعددة في العالم .
بيد أن المتغيرات السياسية في البلاد، و التي أفضت في الصيف الماضي إلى صعود نجم التيار الإصلاحي، فتحت كوة ضوء لحكام طهران، لأجل تكسير جدار العزلة الدولية و تحطيم الحاجز النفسي، سعيا نحو الدخول في علاقات جديدة مع العالم الغربي، و بشكل خاص مع الولايات المتحدة الأمريكية. و قد مكنت هاته التطورات من التسريع بوتيرة المفاوضات بين إيران و كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا و الاتحاد الأوروبي حول الملف النووي ،و استؤنفت تلك المفاوضات في ثامن أبريل الجاري بجنيف، بغية التوصل إلى اتفاق نهائي خلال شهر يوليوزالقادم ، يهم على الخصوص موضوع تخصيب اليورانيوم الإيراني، و تلقي الدول الغربية لضمانات من كون البرنامج النووي الإيراني لا يعدو أن يكون برنامجا سلميا بحتا ، و تبديد مخاوف إسرائيل من أن تصبح طهران قوة نووية في المنطقة.
وبالإضافة إلى رجحان كفة الإصلاحيين في قمة السلطة الإيرانية ، والتقارب الحاصل بين طهران والدول الغربية على خلفية المفاوضات النووية ، فإن “الأخ الإيراني الأكبر” سيسعى من دون شك إلى استثمار حالة الضعف و الوهن التي أصابت الجسم السياسي القطري جراء الحصار الدبلوماسي و المعنوي الذي يعاني منه بعد سحب سفراء أهم ثلاثة بلدان في مجلس التعاون الخليجي من الدوحة، و الفشل الذريع الذي منيت به الخطط القطرية في العالم العربي بعد أن حاولت منذ سنة 2011 ،مدعومة آنذاك من قبل العراب الأمريكي و الإسرائيلي، إرساء حكومات ذات توجهات إسلاموية، متفرعة عن تيارات التطرف و الإرهاب، في كل من تونس و مصر وليبيا، ناهيك عما يحدث حاليا من اقتتال عبثي على الأرض السورية، جراء إغراق أمراء قطر للمنطقة بجماعات إرهابية،تحاول الإنقضاض جاهدة على مقاليد الأمور، و إزاحة التيارات الشعبية الحقيقية التي كانت من وراء تفجير الإنتفاضة ضد نظام بشار الأسد، تماما مثلما حدث في مصر، حينما رجحت الدوحة تيار الإخوان المسلمين على حساب الأبطال الحقيقين لثورة 25 يناير.