بون شاسع بين من ينفذ “أجندة سياسية” وبين من يدافع عن “قضية وطنية مقدسة توحد شعبا، وملكية عمرها خمسة قرون”، هكذا أصاب عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأمم المتحدة، كبد الحقيقة في تعقيبه على اعتماد مجلس الأمن للقرار 2602 القاضي بتمديد ولاية الـ”مينورسو” لمدة عام.
ولعل عمر هلال، واحد من بين أكثر العارفين بألاعيب النظام الجزائري، ما يجعله يصوغ إجابات كافية وشافية في ما يشجر بين المملكة السعيدة وجارة السوء الشرقية، فلسان الرجل يرطن بالحقيقة ولا شيء غيرها مثلما قال إن المملكة تواجه “هوسا شديدا من الجزائر” محيلا على أنه “هوس شديد يتعلق بمرض نفسي أكثر من السياسات العليا”.
وليس ما يعبر عن الهوس الجزائري أكثر من نطيط عبد المجيد تبون، الرئيس الجزائري الذي أعطى تعليماته لشركة “سوناطراك” بوقف العقد الذي يربطها بالمكتب الوطني للماء والكهرباء، ابتداء من منتصف ليلة فاتح نونبر الجاري، وهو يريد بذلك أن يلفت الانتباه إلى أنه “هنا” بعدما استفاق من هول القرار الأممي ومن أضغاث الأحلام التي راودته نهارا في “خدش” المغرب.
فهل سُمِع للمغرب صوت أو ردة فعل إزاء القرار الجزائري الذي جرى التهليل له منذ أشهر؟ لا. لأن المملكة تعرف جيدا إلى أي طينة ينتمي حكام الجزائر، الذين لا يدخرون كل جهد لبلسمة الجراح التي تنكؤها فيهم عبر تجاهل مثل هكذا نعرات يؤتيها الـ”كابرانات” ومن هم تحت سطوتهم.
وفي البلاغ المشترك بين “المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن” و”المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب” بخصوص القرار الرئاسي الجزائري ما يكشف أن المغرب اختار التجاهل طريقا سليمة للمضي قدما في مسيرته، بعدما أكد البلاغ أن هذا القرار سيكون له تأثير ضئيل لا غير.
وفي البلاغ ما يشفي، كذلك، صدور المغاربة بعدما تكفل المكتبان الوطنيان بالرد على “فخامة” الرئيس الجزائري، وقد أحال على أنه “نظرا لطبيعة جوار المغرب وتحسبا لهذا القرار فقد تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان استمرارية إمداد البلاد بالكهرباء..”.
وعموما لا يجادل المغرب حكام الجزائر فيما قد يرونه قرارات “سيادية” من منطلق إيمانه الراسخ بقدسية القرارات السيادية مثل منع الطائرات المغربية من التحليق في أجوائها، لكنه أكثر من ذلك لا يلقي لها بالا ولا يلتفت لمتخذيها ما دام يدري أنها ليست غير تصريف لأجندة سياسية تروم النيل منه.
كما أن المغرب لا يعتاش ولا يقتات بغاز الجزائر، وكما أصبحت الجارة الشرقية مدارة “Rond point” للطائرات المغربية فإن صرف النظر عن الحصة الضئيلة التي كان يستفيد منها بمرور أنبوب الغاز عبر أراضيه ليس بعزيز على أمة أبية ذاقت منها الأمم ذات التاريخ التليد الأمرين فكيف الحال بمن يشكك الجميع في وجود أمته سابقا؟
لقد بلغ سعار النظام الجزائري مبلغه، وما يزيده في حدته تجاهل المغرب الذي يتقن “فن التغافل” ويترك لحكام جارة السوء “تهافت التهافت” لبذل كل ما قد يقوض مسعى المغرب الذي يشق طريقه صوبا نحو الغد.. نحو المستقبل مستشرفا إياه بشراكات قائمة على منطق “رابح-رابح” وليس بناء على شركات قوامها التدليس وحياكة الدسائس.
ثم إن الجزائر لا تخوض لوحدها حربا ضد المغرب بل تسخر مقدرات الشعب هناك لمن ينفذ أعمالها القذرة “Dirty Jobs” بالوكالة فهناك المرتزقة في صنيعتها “بوليساريو” وهناك دول تدعي أن ضميرها حي وهي ميتة.. ولا مجال لإطالة الحديث عنها.. وذلك ببساطة لأن الضرب في الميت حرام.