كشفت معطيات حديثة، تسجيل المحاكم المغربية، ما مجموعه 300 ألف حالة طلاق لعام 2022 الجاري (أي أزيد من 800 حالة كل يوم) وهي أرقام تدعو الخبراء في شؤون الأسرة والتربية والقانون إلى الانكباب على إيجاد حلول لهذه الظاهرة، وفق الباحث والكاتب ادريس الكنبوري، الذي اعتبر الرقم مخيف لعام لم يكتمل بعد.
ومقارنة مع سنة 2022، أكدت إحصائيات لوزارة العدل أن محاكم الاستئناف في 2020، سجلت 20372 حالة طلاق بالمغرب، بينما سجلت المحاكم
الابتدائية 68995 قضية طلاق للشقاق فقط، فيما بلغ عدد حالات الطلاق الاتفاقي 24257 حالة، وتطليق الخلع 6611 حالة.
وعلق الباحث والكاتب ادريس الكنبوري على هذه الأرقام، بكون تسجيل 300 ألف حالة طلاق في المغرب هذا العام،”يعني 300 ألف أسرة تفككت ولم تنجح؛ ويعني 300 ألف مطلقة؛ وقد يعني أيضا عددا كبيرا من البغيات في سوق الدعارة غدا”.
وشدد الكنبوري قوله “إنه واقع مر يجب أن ينكب عليه الخبراء في الأسرة والتربية والقانون؛ لفهم أسباب الطلاق المتزايدة وإعادة التوعية بالتضامن الأسرى وقيم بناء الأسرة ورابطة الزواج”، مضيفا أن “هذا الواقع لا ينعكس على تصورنا للتعديلات المطلوب إدخالها على مدونة الأسرة”.
مسجلا في السياق ذاته، أن “المؤسف هو أن المطالب والاقتراحات المطروحة لا تهتم بالقضاء على ظاهرة الطلاق؛ بل على تقنينه وتحسين شروطه بالنسبة للمرأة؛ أي أن هناك اعترافا ضمنيا بهذا الواقع ورغبة في تكريسه؛ من خلال عدم معالجة الأسباب الموضوعية والذاتية للظاهرة”.
وبينما يفسر البعض ارتفاع حالات الطلاق بانتشار الطلاق للشقاق؛ اعتبر الكنبوري أن ” هذا ليس سببا بل نتيجة؛ لأنه نتيجة عدم الاستقرار الأسري؛ ويجب البحث عن أسباب عدم الاستقرار هذا”.
واختلفت تفسيرات المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي لأسباب ارتفاع ظاهرة الطلاق بهذا الشكل المخيف، بين من أرجعها لعمل المرأة خارج وداخل البيت وتحملها كافة المسؤوليات، إذ اقترحوا معه حتمية رجوع كل طرف إلى وظيفته التي عرفها المجتمع منذ زمن بعيد، “أي المرأة في البيت لرعاية الأسرة والرجل في العمل للتكفل بمصاريف أسرته”، وهناك آخرون اعتبروا أن غياب الثقة والتفاهم وغياب القيم الأخلاقية داخل البيت الأسري” هي السبب.
وبمقارنة الماضي بالحاضر، كتب ادريس الكنبوري، أنه “في الماضي كان نموذج الأسرة ناجحا حتى في ظل غياب قانون للأسرة؛ وعدم توثيق الزواج؛ وكانت ملايين الأسر تعيش بدون عقود زواج لكن الرابطة الزوجية كانت مقدسة؛ هذا في الوقت الذي كان يمكن للرجل أن يحل العلاقة الزوجية بأقل كلفة؛ وكانت هذه الأسر تنجب أطفالا وتنجح في تربيتهم”.
وشدد الكاتب، على أنه “لو أردنا فهم الظاهرة جيدا لا بد أن نفهم التحولات في القيم في المجتمع المغربي؛ فثقافة الاستهلاك الرأسمالية والقيم المادية إحدى الأسباب الكبرى للتفكك الأسري؛ والقيم الدينية والتقليدية لم تعد هي المحدد للسلوك ولم تعد هي المعايير الأساسية؛ لذلك من الطبيعي أن تنعكس هذه القيم السلبية على الأسرة”.
وأضاف أنه “لا يمكننا كمجتمع إسلامي تخترقه قيم غربية على مستوى السلوك والاستهلاك أن لا نسقط في النموذج الغربي أيضا على مستوى الأسرة؛ ذلك أن نوعية القيم تحدد لك نوعية النماذج الاجتماعية؛ إلا إذا كنا نظن أن هناك انفصالا بين القيم والحياة الاجتماعية؛ وهذا غير صحيح. والمشكل اليوم أننا في تصورنا لإصلاح المدونة لا نعطي للقيم أهمية بل للمساطر والشكليات؛ وهي أيضا مهمة؛ لكنها لن تغير الواقع الحالي بقدر ما توفر له الشروط الأفضل للاستمرار؛ مثل من لا يحارب المرض بل يبحث عن تحسين شروط المرض”.