باستثناء تهمة تورط شركته “إفريقيا غاز” مع شركات محروقات أخرى في الاستفادة من أرباح بلغت حوالي 17 مليار، وهي الأرباح التي وصفت بغير الأخلاقية واللامشروعة لكونها جاءت على حساب القوت اليومي للمواطنين خلال سنتي 2015 و2016 إبان اتخاذ الحكومة قرار تحرير أسعار المحروقات، حيث لم تلتزم تلك الشركات بتخفيض الأسعار، فإن عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ظل قبل توليه رئاسة الحكومة يحظى باحترام وتقدير الكثير من المواطنين طيلة السنوات التي قضاها وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
وهو المنصب الذي شغله لمدة 14 سنة منذ سنة 2007، واستطاع أن يضع خلالها عدة استراتيجيات لتنمية القطاع الفلاحي، وفي مقدمتها مخطط “المغرب الأخضر” الهادف إلى تطوير الزراعة و”اليوتيس” التي تروم النهوض بالصيد البحري. ومما ساهم أكثر في انتشار شهرته ليس فقط قضاؤه عدة سنوات في مجال المال والأعمال وما حققته مجموعته الاقتصادية من نجاحات مبهرة، بل لتنازله كذلك عن الراتب والتعويضات منذ توليه مهامه الحكومية، وتكفله المستمر بجميع مصاريف تنقلاته في إطار مهامه الوزارية إلى جانب مصاريف مساعديه وفريقه الحكومي، فضلا عن دعمه المتواصل للجمعيات المدنية والتنموية وغير ذلك كثير…
وفي خضم الإخفاقات التي ما انفك حزب العدالة والتنمية يراكمها في قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، وما ترتب عن ذلك من استياء عارم في أوساط المواطنات والمواطنين، الذين كانوا يتنظرون حلول موعد الاستحقاقات الانتخابية لمعاقبته، ارتأى حزب “الأحرار” الذي ظل يتحين الفرصة لانتزاع مقود القيادة من حزب “المصباح”، تركيز جل اهتماماته على محاولة استمالة فئات الشباب من خلال الحضور القوي في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي إبان الحملة الانتخابية. كما حرص قائده أخنوش في الإعداد لانتخابات 8 شتنبر 2021 على التواصل بطريقة منهجية ودائمة مع متابعي المنصات الرقمية للحزب، قصد التعريف ببرنامج الحزب الذي وصفه حينها بالبرنامج “الواقعي والقابل للتنفيذ”.
إذ نزل أخنوش للانتخابات بكل ثقله مستعملا كل الأساليب الممكنة، ومسلحا ببرنامج انتخابي مفعما بعدة وعود هامة تخص مجالات التعليم والصحة والتشغيل وغيرها، حيث تعهد من خلالها بخلق مدرسة عمومية ذات جودة وجاذبية تتيح تكافؤ الفرص عبر تعزيز تكوين الأساتذة والرفع من أجورهم، واستقطاب أفضل الطلبة نحو مهن التدريس والرفع من أجورهم عند بداية مسارهم المهني إلى 7500 درهم عوض 5000 درهم. تأهيل المستشفى العمومي وتكوين الأطر الطبية، ملتزما بمضاعفة الميزانية المخصصة للقطاع الصحي وإحداث نظام التكفل المباشر لتقليص نفقات العلاج، ونظام طب الأسرة وتفعيل الفحوصات المجانية، وصندوق يخصص نصف مداخيل زكاة المال لتمويل الأمراض المزمنة. الانكباب على توفير مليون فرصة عمل خلال الأعوام الخمسة مع تقوية حضور النساء في النشاط الاقتصادي، ودعم مشاريع المقاولين الذاتيين وتسريع المخططات القطاعية…
هذا دون أن ننسى التزام حكومته بالزيادة العامة في الأجور ومراجعة جدول الضريبة على الدخل في مشروع القانون المالي برسم سنة 2023 وفق ما تم الاتفاق عليه في السابق مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، وتعهدها كذلك بصرف 400 درهم شهريا للأشخاص المسنين في وضعية هشاشة الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة ابتداء من الربع الأخير من سنة 2022.
فأين نحن اليوم بعد مرور قرابة سنتين من عمر الحكومة من تلك الوعود المعسولة التي قدمها الحزب “الحاكم” في برنامجه خلال الحملة الانتخابية أو الرئيس عزيز أخنوش في عرضه أمام أعضاء البرلمان؟ إن ما استفز مشاعر عديد المغاربة وغاظهم، هو أن أخنوش أبى في سياق الاحتقان الاجتماعي المتصاعد بسبب تردي الأوضاع إزاء استمرار ارتفاع أسعار المحروقات رغم انخفاضها في السوق الدولية، وانعكاسها على أسعار باقي المواد الغذائية التي تهم المواطن بصفة مباشرة، كالزيوت النباتية والطحين والخضراوات واللحوم الحمراء والبيضاء، إلا أن يصرح في معرض كلمته أمام المجلس الوطني لحزبه يوم السبت 11 فبراير 2022 بأن حكومته “نجحت خلال سنة واحدة في تحقيق ما لم يتحقق في السنوات العشر السابقة” فعن أي نجاح يتحدث؟ وما الذي تحقق من إنجازات في السنة الأولى من ولايته؟
إذ علاوة على الإخلال بوعودها، يؤاخذ على الحكومة ترك المواطنين في مواجهة مباشرة مع تقلبات الأسعار، ثم ما جدوى توعد المتلاعبين بالأسعار ومراقبة الأسواق ما لم يكن هناك تدخل عاجل لإيقاف مسلسل الغلاء الفاحش، الذي ما انفك يقوض القدرة الشرائية للمواطنين ويهدد السلم والاستقرار الاجتماعيين؟ فالحكومة للأسف أمعنت كثيرا في اللامبالاة وعدم مواجهة آثار التضخم وغيره من العوامل المؤثرة على منظومة الأسعار، ولم تتفاعل بما يلزم من مسؤولية واستباقية رغم المؤشرات التي سبق طرحها من قبل بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط وتقارير الظرفية الاقتصادية. وأن ما تم الترويج له من إجراءات حكومية بقي دون أثر مباشر على الأوضاع الاجتماعية للطبقات الفقيرة والمتوسطة…
إنه مهما كان السياق الذي جاءت فيه الحكومة صعبا من حيث الظروف الاقتصادية المعقدة جراء تداعيات الجفاف وجائحة “كوفيد -19” والحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى مشكل توريد المواد الأولية التي عرفت أسعارها ارتفاعا مهولا كالطاقة والمواد الغذائية، فإن ذلك لا يشفع لرئيسها أخنوش الإخلال بالوعود التي قطعها على نفسه، عدم التواصل مع المواطنين، التساهل في تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة والتصدي لكافة مظاهر الفساد والاحتكار والمضاربة…
الآراء الواردة في المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الملاحظ جورنال و إنما عن رأي صاحبها.