أكد أحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط، على ضرورة التعامل مع الرأي العام باحترام، واعتباره ناضجا، وقول الحقيقة له حتى يكون واعيا بالإصلاحات التي يجب القيام بها.
واستدرك لحليمي، في حوار سابق مع “ميديا24” الإخباري، قوله: “ولكن ما أراه هو أننا نفعل العكس تماما، من خلال التأكيد على أن كل شيء على ما يرام، وأن مشكلة التضخم سيتم حلها من خلال الآليات النقدية، فقط لأن هذا يُرضي المؤسسات الدولية التي لم ترغب أبدًا في تغيير الوصفة، حتى لو كانت تعود إلى خمسين عاما. وكما لو أنه في نصف قرن لم يتغير شيء في العالم”، يضيف المندوب السامي.
وأفاد لحليمي أن “التضخم سيتراجع عندما يتم تنفيذ الإصلاحات لتحسين عرضنا وإنتاجيتنا، مع العمل على تنظيف قنوات التوزيع لدينا.”
وفي مارس 2023، أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل التضخم بلغ 10.1 بالمائة بحلول نهاية فبراير. ولم تشهد المملكة هذا المستوى من التضخم المكون من رقمين منذ عام 1984 على الأقل. وفي المقابل قرر بنك المغرب رفع سعر الفائدة إلى 3 بالمائة.
وعلى عكس التحليلات الصادرة في عام 2022، هذا التضخم الكبير، كما توضح المندوبية السامية للتخطيط، لا يعود إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق الدولية، بل ناجم أساسًا عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي تُنتج محليًا في المغرب. وهو ما يتماشى مع تحليل بنك المغرب، الذي أشار إلى صدمة العرض في السوق.
بالتالي يتفق كل من بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط بشأن هذه الملاحظة، لكنهما يختلافان على الحل الذي يجب تقديمه، حسب موقع “ميديا24″، لانه بالنسبة للمندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي، إذا واجهنا مشكلة العرض، وهي حسب رأيه هيكلية وليست مؤقته، ولذلك فإنه لا يرى أي جدوى من زيادة السعر الرئيسي للتحرك نحو الانخفاض حسب الطلب.
وفقا للمندوب السامي، فالوصفة هي أن ندرك أولا أن التضخم أصبح حقيقة بنيوية للاقتصاد المغربي، ويجب أن نعتاد على التعايش معه، وأنه ناجم عن نقص العرض، وخاصة الزراعي. وأضيف أنه “بمجرد التعرف على هذه البيانات، سيكون من الضروري العمل على جذور المشكلة، أي الإنتاج، من خلال قيادة ثورة نظام الإنتاج لدينا”، على حد تعبير لحليمي.
وأكد لحليمي، حينذلك، أننا “لم نعد في حالة تضخم مستورد، حيث يتم إنتاج المواد الغذائية، وخاصة الفواكه والخضروات، محليا في المغرب”.
وفي ندوة صحفية سابقة، حذر أيضا المندوب السامي للتخطيط من هذا الخطاب، مشددا على أن التضخم يجب أن يؤخذ على أنه بيانات هيكلية ومحلية، وأنه يجب علينا الآن أن نعتاد على التعايش معه.
وأوضح لحليمي في حوار “ميديا24″، أنه بالنسبة لحالة المنتجات الفلاحية في المغرب، فقد أصبح الجفاف عاملا هليكليا في السنوات الأخيرة، ومع تغير المناخ وموقع البلاد في منطقة شبه قاحلة، قإننا سوف نشهد موجة جفاف كبرى مرة كل ثلاث سنوات في المتوسط. واضاف أنه، “حتى عندما يهطل المطر، فإنه لا يتم توزيعه بشكل جيد، ولا يوجد سوى جزء من البلاد هو المستفيد، وهو الشمال ومناطق قليلة في الجنوب”.
بالتالي، كما قال المندوب السامي للتخطيط، أنه “يجب أن ندرك أننا في وضع يجب أن تقوم فيه الزراعة بثورتها لتغيير نظام الإنتاج، والتوجه نحو السيادة الغذائية وإنتاج ما نستهلكه في المقام الأول، مع تحقيق قدر الإمكان التقدم التكنلوجي لتحسين المحاصيل”.
وأكد لحليمي أن المغرب يواجه مشكلة العرض بعد أن أصبح في وضع إنتاجي أقل من ذي قبل، إثر توالي سنوات الجفاف. مشيرا إلى أن العامل الثاني هو أن “مانستورده أصبح أكثر تكلفة، وسيظل كذلك، لأن تكاليف الإنتاج حول العالم تتزايد والمخاطر الجيوستراتيجية لا تزال كبيرة في السوق.
وتابع أن العامل الثالث الذي يوضح أن هذا التضخم سوف يستمر هو الاحتياجات الاستثمارية الهائلة التي يحتاجها العالم. موضحا أنه “مع ضرورة التحول البيئي والطاقي وإزالة الكاربون الصناعي، ودمج التكنولوجيات في أنظمة وخدمات الإنتاج، أصبحت احتياجات الاستثمار هائلة، وهذا لا تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج، والتي سوف ترتفع من سنة إلى أخرى، مما يؤثر على الأسعار النهائية للمنتجات”.
ولخص لحليمي قوله في أنه “سيكون لدينا واردات سترتفع تكاليفها، وعدم كفاية المعروض المحلية بسبب الكارثة المناخية، مما يخلق خللا في السوق سوف يتسارع أكثر في السنوات المقبلة، مع زيادة عدد سكانه وتغير ظروف وأنماط الاستهلاك”.
وقال المندوب السامي، أن “كل هذا ينبغي أن يدفعنا إلى إدراك أن ارتفاع الأسعار سوف يصبح هيكليا”.
أوصى لحليمي بأنه “يتعين علينا أن نتصرف بناء على العرض وليس على الطلب، وعلينا أن نقول ونتقبل ذلك بأنه ليس أمرا قاتلا، في انتظار اجراء التغييرات الهيكلية في نماذج الإمدادات والانتاجات الخاصة بنا، وأن نعيش مع تضخم بنسبة 4 أو 5 بالمائة، كما شهدنا ذلك في الماضي”.
ووصف لحليمي الوضع الراهن في المغرب الذي يتسم بعدم الاتساق في السياسة الاقتصادية الشاملة مع حكومة تريد تعزيز النمو من خلال الانفاق العام، وبنك مركزي يريد إبطاء الآلة عن طريق خفض الطلب قدر الإمكان، بأنها “حالة انفصام الشخصية”. وقال إنه “من ناحية نقوم بتوزيع الدخل على الشباب في كل مكان من خلال برنامج أوراش أو فرصة، ونشجع الشركات من خلال الإعانات بينما نقوم بتعبئة البنوك، ومن ناحئة أخرى نقوم بزيادة تكلفة تمويل الاقتصاد”.
وفقا لتحليل المندوب السامي للتخطيط، فإن الرفع النقدي ليس هو الحل لخفض التضخم، مؤكدا على أن الإصلاحات الهيكلية للسياسة الانتاجية هي أداة التنشيط، لأن لدينا مشكلة العرض وليس الطلب. وقال إنه “يجب علينا أيضا أن نقبل أن تطوير بلدنا يمر الآن عبر زيادة الأسعار، وأن هذا التضخم هو جزء من فترة الإصلاح والتحول النموذجي في السياسات الاقتصادية. هكذا تطورت العديد من دول العالم، وهذا ما علمنا إياه أدب ما بعد التصنيع. وعلينا أن نواصل جهودنا لتطوير البلاد والتعود على التضخم”.