إصلاح أسواق الجملة… خطوة ضرورية نحو شفافية الأسعار ومحاربة الريع

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تُعد أسواق الجملة أحد المفاصل الأساسية في سلسلة التوزيع الغذائي، ومحورًا استراتيجيًا في التحكم في القدرة الشرائية للمواطن. إلا أن هذه الفضاءات، التي يفترض أن تكون محكومة بمنطق المرفق العام، تحولت في كثير من الأحيان إلى مجالات للريع والمضاربات، بفعل غياب الحكامة الرشيدة، والرقابة الفعلية، والآليات القانونية الملزمة للشفافية والمساءلة.

اختلالات بنيوية في منظومة تدبير أسواق الجملة

تُظهر المعاينة الميدانية أن أغلب أسواق الجملة تُدار بعشوائية أو وفق منطق “التحكم غير الرسمي”، حيث يُسيطر فاعلون غير مؤطرين قانونيًا – من سماسرة وتجار أزمات – على مسارات تدفق السلع، وتحديد الأسعار، والتخزين، بل وحتى توزيع المربعات داخل السوق.

ويُسجل المراقبون غياب آليات واضحة لضبط العمليات التجارية، ما يجعل الأسعار تخضع لمنطق العرض والطلب المُوجّه، بدل المنافسة الشريفة، وهو ما يفتح المجال أمام ممارسات احتكارية تُجهز على القدرة الشرائية للمواطن، وتُقوّض الاستقرار الاجتماعي في أزمنة الأزمات.

الدعوة إلى التفعيل المؤسساتي للرقابة والحكامة

من هذا المنطلق، يُطالب عدد من المهتمين والفاعلين بضرورة تفعيل الرقابة المؤسساتية، وتطبيق قواعد الحكامة الجيدة داخل أسواق الجملة، من خلال:

تقنين تدبير السوق عبر تعيين مدير رسمي ومسؤولين إداريين يتم اختيارهم وفق الكفاءة والنزاهة، ويخضعون لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

إخضاع كل مراحل سلسلة التوزيع للمراقبة: من ولوج السلع إلى السوق، مرورًا بتخزينها، إلى تسعيرها، ثم توزيعها إلى تجار التقسيط.

تحديد الأسعار وفقًا للعيار والجودة، عبر اعتماد شبكة مرجعية يومية للأسعار، تتراوح بين حد أدنى وحد أقصى، تُنشر بشكل علني وتُعمم على وسائل الإعلام.

نحو منظومة شفافة تعزز التنافسية وتحمي المواطن

هذا التوجه لا يهدف فقط إلى محاربة الريع وتضييق الخناق على تجار الأزمات وأصحاب “الهمزة”، بل يشكل مدخلًا حقيقيًا لتعزيز العدالة الاقتصادية، وتفعيل قواعد الشفافية والتنافسية داخل السوق، بما ينعكس إيجابًا على استقرار الأسعار وحماية المستهلك.

كما من شأن هذا الإصلاح أن يُعيد الاعتبار لدور الجماعات المحلية والسلطات التنظيمية في مراقبة المرفق العام، وإعادة التوازن لعلاقة السوق بالمواطن، بعدما اختلّ ميزان القوة لفائدة المحتكرين والمتلاعبين.

فإصلاح أسواق الجملة لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية. فلا يمكن بناء نموذج تنموي جديد، دون إصلاح عميق وشجاع لآليات توزيع المواد الأساسية. تفعيل الحكامة والرقابة ليس ترفًا إداريًا، بل ضمانة للاستقرار الاجتماعي والعدالة المجالية، خاصة في سياق تتزايد فيه التحديات الاقتصادية وضغوط المعيشة.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.