التوظيفات الحكومية بين الحسابات الحزبية واستنزاف الكفاءات
قبل عام واحد من إسدال الستار على عمر الحكومة الحالية، تبرز من جديد قضية التعيينات داخل الوزارات كأحد أكثر الملفات إثارة للجدل. فبينما يفترض أن تكون هذه التوظيفات رافعة لتقوية الإدارة العمومية، تحوّل جزء منها إلى موضوع شبهات تتعلق بالمحسوبية وتبادل المناصب بين مكونات الأغلبية.
متتبعون للشأن العام يرون أن ما يجري لا يقتصر فقط على توزيع المناصب، بل يعكس عقلية تقاسم النفوذ، خصوصًا في المناصب العليا المرتبطة بتنزيل القانون المالي الأخير. هذا الأمر أعاد إلى الواجهة سؤال الشفافية والإنصاف في الولوج إلى الوظائف العمومية، التي تعد ملكًا مشتركًا لكل المواطنين وليست غنيمة حزبية.
في المقابل، تؤكد تقارير أكاديمية أن التحدي الأكبر الذي يواجه الإدارة المغربية في السنوات المقبلة لا يكمن فقط في المحسوبية، بل أيضًا في النزيف الحاد للأطر والكفاءات. فمن المتوقع أن يُحال عشرات الآلاف من الموظفين على التقاعد بين 2023 و2027، في حين يفضّل آخرون المغادرة الطوعية بسبب ضعف الحوافز وقساوة ظروف العمل، مما ينذر بفراغ هيكلي داخل الإدارات.
أكثر القطاعات عرضة لهذا الاستنزاف تبقى الداخلية، الصحة، التجهيز والمعادن، وهي وزارات حيوية ترتبط بشكل مباشر بأمن المواطنين وخدماتهم الأساسية ومشاريع البنية التحتية. أي خلل في تدبير مواردها البشرية قد يؤدي إلى إبطاء مسار الإصلاحات وتعثر تنفيذ البرامج التنموية.
التحدي المطروح اليوم أمام الحكومة مزدوج: من جهة، ضمان أن تكون التعيينات مبنية على الكفاءة والجدارة، ومن جهة أخرى، وضع استراتيجية استباقية لتعويض النقص المرتقب في الموارد البشرية المؤهلة. من دون ذلك، قد تجد الإدارة العمومية نفسها عاجزة عن الاستجابة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة.
الرهان إذن ليس مجرد أرقام في لوائح التوظيف، بل يتعلق بمستقبل الإدارة المغربية ككل، وبقدرتها على الاستمرار كقاطرة للتنمية في ظل منافسة متسارعة وتطلعات متزايدة للمواطنين.