سالم الكتبي
وسط موجة غير مسبوقة من التحديات الاستراتيجية، سواء تمثلت في تنظيمات الارهاب، أو الجماعات المارقة التي تعمل لمصلحة أطراف اقليمية توسعية، تسعى إلى التمدد والتوسع في دول عربية مفصلية بالنسبة للأمن القومي العربي والخليجي، كما هو الحال بالنسبة لليمن الشقيق، وسط هذه التعقيدات الاقليمية، تمضي قافلة التنمية والأمن والأمان والاستقرار في دولة الامارات العربية المتحدة بحكمة قيادة رشيدة، ووعي شعب وفي يلتف حول قيادته، ويلتئم على قلب رجل واحد، ويدرك قيمة العيش في بيت متوحد.
في الذكرى الخامسة والأربعين لتأسيس اتحاد دولة الامارات العربية المتحدة، نستحضر أولاً روح الآباء المؤسسون، وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي الروح التي تميز التجربة التنموية الاماراتية عن غيرها من التجارب الاقليمية والدولية، كما نستحضر أيضا بكل اعجاب وتقدير رحلة الكفاح التي حولت رمال الصحراء إلى دولة فتية تضاهي في بناها التحتية وتخطيطها الاستراتيجي وأدائها الحكومي والتنموي أرقي الدول المتقدمة.
إن أحد أسرار قوة النموذج الاماراتي تكمن في روج التحدي، التي واكبت هذا النموذج منذ انطلاقه، فالتحديات رافقت رحلة التأسيس منذ بدايتها، فتحديات التخطيط والبناء والتنمية كانت تمثل أصعب الملفات بالنسبة لسنوات الاتحاد الأولى، وهي في مجملها تندرج ضمن مفهوم “تحديات البقاء”، سواء على صعيد بناء مؤسسات الدولة الوليدة أو بناء الانسان، فضلا عن تحديات بلورة الهوية الوطنية للدولة الاتحادية التي تكونت من إمارات عدة متقاربة جغرافياً وثقافياً وانسانياً ولغوياً .. إلخ، لكن هذه الامارات كانت تخوض للمرة الأولى في تاريخها تجربة العيش تحت راية دولة اتحادية، وما يتطلبه ذلك من ترتيب للبيت وتدعيم للمؤسسات الاتحادية ودورها وتوحيد للقوات المسلحة، وغير ذلك من خطوات عمقت روح الاتحاد وعجلت بصهر الهوية الوطنية وأنتجت بعد هذه السنوات من الجهد والعمل الجاد مفهوم “البيت متوحد”، وهي العبارة التي اختزل من خلالها، بمفردتين ذكيتين، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، حالة الاصطفاف الوطني والتماسك والالتفاف الشعبي وراء القيادة الرشيدة.
ويشير استقراء تاريخ منطقة الخليج العربي، ودولة الامارات العربية المتحدة منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971، إلى أن التحديات تمثل جزء رئيسياً من البيئة الاستراتيجية، التي انطلق فيها دولة الاتحاد ونمت وتطورت، ونجحت في مجابهة هذه الظروف الاقليمية والتحديات الصعبة، ابتداء من حرب السادس من أكتوبر عام 1973، التي اندلعت ولم تكن دولة الاتحاد قد بلغت العامين بعد، ومع ذلك فقد شهدت هذه المحطة التاريخية العربية الأساس المتين للمبادىء القومية التي لا تزال تشكل محور العمل الدبلوماسي والسياسة الخارجية الاماراتية حتى الآن، فقد وقف المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، طيب الله ثراه، موقفاً عربياً بطولياً، ولم يخش التأثيرات الاستراتيجية المحتملة لموقفه حين أمر بوقف تصدير النفط للدول الداعمة لإسرائيل، قائلاً “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي”، هكذا أسس زايد الخير، طيب الله ثراه، للمواقف العربية المشتركة، ووضع الإطار الجامع للأمن القومي العربي، الذي هو جزء لا يتجزأ كما اكد مراراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، معبراً عن قيم الوالد المؤسس وثبات الامارات على مبادئها وقيمها وثوابتها الراسخة.
لم يتوقف تاريخ التحديات التي جابهت مسيرة دولة الاتحاد اقليمياً، حيث قامت الثورة الايرانية عام 1979، وبروز نظام ثيوقراطي يرفع شعار “تصدير الثورة”إلى محيطه الاقليمي، والغزو السوفيتي لأفغانستان في العام ذاته، ثم الخلخلة التي تعرضت لها العلاقات العربية ـ العربية على خلفية توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية، ثم الحرب العراقية ـ الايرانية، ثم الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990 وهو الحدث الأخطر استراتيجياً في تاريخ منطقة الخليج العربي على وجه التقريب، فحرب التحرير عام 1991، وصولاً إلى غزو العراق في مارس عام 2003 وما تلاه من تداعيات استراتيجية مزلزلة لا تزال المنطقة تعانيها حتى الآن.
ما اقصده أن التحديات ليست غائبة عن البيئة الاستراتيجية والأمنية التي تعيش دولة الامارات في محيطها، فما تلبث التحديات أن تتراجع ثم تطل برأسها من جديد، وهذا ما حدث عندما اندلعت اضطرابات عام 2011 وتعرضت دول عربية رئيسية لهزات داخلية كبيرة، كما تعرضت دول ذات تأثير مباشر في الأمن الوطني الاماراتي مثل مملكة البحرين واليمن الشقيق، لأخطار وجودية، كما عانت دول عربية عدة من انهيارات مؤسسية واضطرابات داخلية أسقطت مفهوم الدولة ذاته من قاموس هذه الدول، ما فتح الباب بدوره أمام تدخلات القوى الاقليمية المتربصة بالأمن القومي العربي، والتي تتحين الفرص لتصفية الحسابات التاريخية، وتحقيق أحلامها وطموحاتها التوسعية، فقامت هذه القوى برسم خطط الانقضاض على ما تبقي من منظومة الأمن القومي العربي من خلال تطويق دول مجلس التعاون بحزام أيديولوجي ضاغط على خاصرة هذه الدول، ومهدد لأمنها واستقرارها واستعانت هذه القوى في تنفيذ مؤامراتها وتدبير مكائدها بوكلائها المحليين مثل جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله اللبناني وعصابات وتنظيمات الإجرام والارهاب المنتشرة في الكثير من الدول العربية التي تعاني الفوضى والاضطراب الداخلي.
وعندما تحتفل دولة الامارات العربية المتحدة بيومها الوطني الخامس والأربعين فهي تحتفل أيضا بإنجازات قواتها المسلحة الباسلة، الحصن الحصين لأمن واستقرار الامارات، وتطوي صفحة عام من التحديات الاستراتيجية الهائلة، التي تصدت لها القيادة الرشيدة بفاعلية وتصميم وتماسك وثبات، لتعيد للأمن القومي العربي هيبته وقواعده الأساسية التي تشكل وفقاً لها، وهي أن أمن كل دولة عربية هو جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني الاماراتي.
في اليوم الوطني الخامس والأربعين تمضي مسيرة التمكين على درب التميز والنجاح وتثبت قيادتنا الرشيدة حرصها البالغ عن توفير مقومات الحياة الكريمة كافة لشعب الامارات الوفي، الذي يثبت هو الآخر يوما بعد آخر ولائه وانتمائه العميق لقيادتنا الرشيدة وأرضنا الطيبة، وفي هذا اليوم المجيد أيضا، نتذكر شهداؤنا ونشد على أيدي أبنائنا ورجالنا من أبطال القوات المسلحة الباسلة المرابطين في ميادين الفخر والبطولة باليمن الشقيق، ممن يضربون المثل والقدوة في الوطنية والانتماء ويرفعون راية الامارات عالية خفاقة في ساحات الشرف والمجد والانتصار، ويدافعون عن الحق والعدل وقيم الامارات الأصيلة ضد معتد أثيم وعدو غاشم ومعتد أثيم لا يعرف للنخوة طريقاً ولا للأوطان وحرمتها مرجعاً أو سبيلاً.