فاجعة آسفي… حين عرّت الكارثة تهميش مدينة بكاملها ووضعت المسؤولين أمام محكمة الضمير

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لم تكن فاجعة آسفي مجرد حادث عرضي فرضته التقلبات المناخية، ولا قدرًا مفاجئًا لا يُسأل عنه أحد، بل كانت لحظة كاشفة عرّت واقع التهميش الذي تعيشه المدينة منذ سنوات، وفضحت اختلالات عميقة في التدبير المحلي، وحمّلت المسؤولية الكاملة لعمال منتخبين ومسؤولين تعاقبوا على تسيير الشأن العام دون أن يترجموا وعودهم إلى واقع يحمي أرواح المواطنين.

ما وقع في آسفي لم يكن بسبب الأمطار وحدها، فالمطر نعمة حين يجد بنية تحتية صلبة، ونقمة حين يصطدم بإهمال مزمن، ومشاريع مغشوشة، وصفقات لا تراعي السلامة، ومجالس جماعية غارقة في الحسابات السياسية الضيقة. لقد كشفت الفاجعة أن المدينة تُركت لسنوات تواجه مصيرها، دون استثمار حقيقي في شبكات التطهير، ودون صيانة للمجاري، ودون تخطيط حضري يستحضر المخاطر المحتملة.

الأخطر من ذلك، أن الأرواح التي فُقدت ليست أرقامًا في بلاغات رسمية، بل ضحايا قرارات فاشلة، ونتائج مباشرة لصناديق اقتراع أوصلت إلى مواقع القرار من لم يجعل سلامة المواطن أولوية. هنا تحديدًا، تبدأ الحقيقة المؤلمة: المسؤولية سياسية وأخلاقية قبل أن تكون تقنية أو إدارية.

لقد آن الأوان لقولها بوضوح: المنتخبون الذين صادقوا على مشاريع ناقصة، والمسؤولون الذين غضّوا الطرف عن اختلالات واضحة، يتحملون جزءًا مباشرًا من مسؤولية هذه الأرواح التي أُزهقت. فالمحاسبة لا يجب أن تتوقف عند “الظروف الطبيعية”، بل يجب أن تمتد إلى من فشل في الاستعداد لها، ومن أهدر المال العام دون أثر ملموس على حياة الناس.

إن فاجعة آسفي فتحت صناديق الاقتراع على مصراعيها، ليس كحدث انتخابي، بل كمرآة عاكسة لخيارات سابقة يجب تقييمها بجرأة. ومن هنا تبدأ المحاسبة الحقيقية: محاسبة سياسية تسبق القضائية، ومساءلة شعبية لا تسقط بالتقادم.

آسفي اليوم لا تحتاج إلى تعاطف موسمي ولا إلى بلاغات إنشائية، بل إلى شجاعة في الاعتراف بالفشل، وإرادة صادقة لربط المسؤولية بالمحاسبة. فدماء الضحايا أمانة، وأي محاولة لتمييع المسؤوليات أو الهروب إلى الأمام، لن تزيد إلا من تعميق الجرح، وترسيخ الإحساس بأن حياة المواطن لا تزال آخر ما يُفكَّر فيه.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.