ردم الواد في آسفي… من استفاد ومن يَجب أن يُحاسَب؟
تتساءل ساكنة مدينة آسفي، بمرارة وغضب مشروعين، عن القرار الذي حوّل مجرى مائيًا طبيعيًا إلى موقف للسيارات، وكأن المدينة في غنى عن متنفساتها الطبيعية أو عن مسالك تصريف تحميها من الفيضانات. سؤال بسيط في ظاهره، عميق في دلالاته: لماذا تم ردم الواد؟ ولمن كانت المصلحة؟ ومن وقّع ومن أعطى التعليمات؟
ليس الواد مجرد مساحة مهملة يمكن طمرها بالإسمنت متى شاءت قرارات مرتجلة، بل هو جزء من منظومة بيئية وهيدرولوجية وظيفتها الأساسية حماية المدينة من أخطار السيول. ردمه يعني، ببساطة، تحويل المياه إلى شوارع وأحياء سكنية، وتعريض أرواح المواطنين وممتلكاتهم للخطر. وما وقع خلال فاجعة آسفي أعاد هذا القرار إلى الواجهة، كأحد أبرز مظاهر سوء التدبير وغياب الرؤية.
إن إنشاء موقف سيارات فوق واد مردوم لا يمكن تبريره بالحاجة إلى التنظيم أو التنمية، لأن التنمية التي تقتل شروط السلامة ليست تنمية، بل تهور مؤسساتي. فهل أُنجزت دراسات تقنية مستقلة؟ وهل احترمت القوانين المنظمة للمجاري المائية؟ وهل تم إشراك الخبراء والساكنة؟ أم أن القرار مرّ في صمت، داخل مكاتب مغلقة، بمنطق الأمر الواقع؟
الأخطر من كل ذلك هو شبهة تغليب مصالح ضيقة على المصلحة العامة. فحين يُردم واد، لا بد أن يكون هناك مستفيد: مشروع، أو جهة، أو تصور ربحي قصير المدى. أما الخاسر فهو المواطن البسيط الذي يدفع الثمن عند أول تساقطات استثنائية. وهنا يتحول السؤال من “لماذا؟” إلى “من المسؤول؟”.
إن ساكنة آسفي لا تطالب بالمستحيل، بل بحقها المشروع في الحقيقة والمحاسبة. محاسبة كل من أعطى تعليماته لردم الواد دون احترام المساطر القانونية، وكل من وقّع على الترخيص أو صادق على المشروع، وكل من تقاعس عن أداء واجبه الرقابي. فالتوقيع ليس إجراءً شكليًا، بل مسؤولية قانونية وأخلاقية، وعندما يؤدي إلى تعريض الأرواح للخطر، يصبح جريمة تدبير لا خطأً عابرًا.
اليوم، وبعد أن تكشفت العواقب، لم يعد مقبولًا الصمت أو التذرع بالجهل. المطلوب فتح تحقيق شفاف ومستقل، يحدد المسؤوليات بدقة، ويربط القرار بنتائجه، ويُفعّل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة دون انتقائية أو تمييع.
آسفي لا تحتاج إلى ترقيعات ولا إلى تبريرات متأخرة، بل إلى إنصاف ساكنتها، ومعاقبة كل من استهان بسلامتها. فالأودية لا تُردم، بل تُحترم، ومن يقرر عكس ذلك يجب أن يعلم أن توقيعه قد يكون توقيعًا على مأساة.