من العيون: ناشرو الصحف يعلنون القطيعة مع ريع الدعم ويدقّون ناقوس إصلاح القطاع
خلال لقاء مهني احتضنته مدينة العيون، أعلن ناشرو الصحف رفضهم القاطع لما وصفوه بـ“ريع الدعم العمومي”، معتبرين أن ما يجري اليوم لا يمت بصلة لا لأخلاقيات المهنة ولا لمنطق الإصلاح الذي بُشّر به منذ سنوات. وأكد المتدخلون، بنبرة غير مسبوقة، أن منظومة الدعم تحولت من آلية إنقاذ وتطوير إلى أداة انتقائية تُعيد إنتاج نفس الوجوه وتُقصي المقاولات الجادة، خصوصاً الجهوية منها.
الناشرون لم يلتفوا حول الكلمات. الرسالة كانت واضحة: لا إصلاح حقيقياً دون إنهاء مهام اللجنة المؤقتة التي ظلت، بحسبهم، تشتغل خارج منطق التمثيلية الديمقراطية، وتفتقر إلى الشرعية المهنية والأخلاقية، بعدما طال أمد “مؤقتها” وتحول إلى وضع دائم يُدار بعقلية الوصاية لا الشراكة.
وفي كلمات نارية، عبّر عدد من الناشرين عن استيائهم مما سموه “تدبيراً مغلقاً” للقطاع، حيث تُتخذ قرارات مصيرية دون إشراك الفاعلين الحقيقيين، ودون أي تقييم موضوعي لأثر الدعم على جودة المنتوج الصحفي، أو على استقرار المقاولات والعاملين بها. الدعم، كما قيل في اللقاء، يجب أن يكون رافعة للتعددية والاستقلالية، لا مكافأة للولاء ولا أداة لإسكات الأصوات الحرة.
اللقاء لم يخلُ من تشخيص عميق لأزمة الصحافة الورقية والإلكترونية على حد سواء، في ظل ارتفاع التكاليف، وتراجع المداخيل الإشهارية، وتآكل الثقة المجتمعية. غير أن المتدخلين شددوا على أن الأزمة لا تُعالج بتوزيع “الفتات”، بل بإصلاح جذري يعيد الاعتبار للمقاولة الصحفية، ويُقرّ معايير شفافة، واضحة، وقابلة للمراقبة والمحاسبة.
ومن العيون، وجّه ناشرو الصحف رسالة مباشرة إلى الحكومة والجهات الوصية: القطاع لم يعد يحتمل مزيداً من التسويف. المطلوب اليوم هو فتح حوار وطني حقيقي، يُفضي إلى انتخاب مؤسسات مهنية شرعية، وإنهاء مرحلة التدبير المؤقت، وربط الدعم بالإنتاج، والتأثير، واحترام أخلاقيات المهنة، لا بالعلاقات والاصطفافات.
لقاء العيون لم يكن مجرد محطة تنظيمية، بل إنذاراً مهنياً وسياسياً بأن صبر الجسم الصحفي بدأ ينفد، وأن كرامة المهنة خط أحمر. فإما إصلاح شجاع يعيد للصحافة مكانتها كسلطة رابعة، أو استمرار في العبث ستكون كلفته باهظة على حرية التعبير والديمقراطية برمتها.