جل الذين اختاروا مهنة المتاعب وانصهروا – اختيارا لا قسرا- في بوثقة الإعلام بصفة عامة بمدينة مراكش، فعلوا ذلك بوحي من اقتناص الفرص في ظل سيادة الفساد المستشري في مفاصل المجتمع، وبدافع الجشع والتطاول على الميدان لا حبا في حرمة التبليغ والإخبار،وتجشم مخاطر طرح القضايا الكبرى التي تشغل بال الرأي العام، وإنما العمل على تجذير المشاكل وتنميتها عن طريق ابتداع إضافات سلوكية ماتحة من الإحتيال والنصب والإسترزاق، يغني أصحابها خارج السرب، وكل يغني على ليلاه، فآخر ما يفكرون فيه ويديرون ظهورهم له هو الإيمان بضرورة تحديث الخطاب الإعلامي، وتحويله إلى كيان ذي أبعاد إصلاحية تنويرية، فكل قصارى عملهم أن يحبروا مقالات –متى استطاعوا إلى ذلك سبيلا- تهدف في غالبيتها إلى إقبار الحقيقة، والدوس عليها، والاحتماء وراء قصاصات الأخبار –الحلقة الضعيفة في الإعلام –، منها ما يعدونه قدرة وطائفة تحقق الامتياز في الميدان غير أنه لا يعدو أن يكون امتيازا ماديا خيط على المقاس، وفصل حسب عتمة الرؤيا وضبابية التقسيم، والحال، أن الإختيارات المفبركة والمنتقاة بعناية تسعفهم في حفر مواقع لهم، تحت وطأة الصمت الإعلامي العاجز عن التقويم والتوجيه، والمتوجس من آليات النقد البناء.
تحقق تجليات المشهد الإعلامي بمدينة مراكش، وخاصة الممارسات المتطفلة والطفيلية، وما أكثر أصحابها تناغما وتطابقا إلى درجة التماهي والإنصهار مع مقولة (الصحافة مهنة من لا مهنة له )، إذ فعلا، أن وضع المشتغلين بالإعلام تحت المجهر يكشف عن كارثة أبطالها ” الرحل ” من حرفهم إلى ميدان الإعلام، وتفعل ببطائق يسلمها إليهم بعض أدعياء الإعلام بالمدينة، و حيث لا يخلو الأمر من فرض وضع استفهامات كبيرة حول هذا السلوك الذي يحط من شرف مهنة المتاعب، متاعب تكبر ويشتد عودها كلما انضافت إلى الجسم الإعلامي طفيليات هجرت حرفتها الأصلية لتقعى تحت ظل جريدة أو موقع ما، أو محطة إذاعية ما، وتفرز سلبيات متناقضة مع قضايا الإعلام المركزية، ضدا على انتظارات هذا الإعلام في أن يترسم أهله ذووي خطى النزاهة، ويتفيأوا بفيئ الإجتهاد في البحث عن الحقيقة وتصريفها بواسطة آليات تستمد وجودها وقوتها من الطهر والنقاء، القيمتان اللتان تتحققان في القليل، وتغيبان لذا الكثير .
قيمة العمل الإعلامي تكمن في تحبير إبداعات كتابية تنأى بصاحبها عن الإسفاف وفحش القول،وتنضح تنويرا وإشعاعا، وترقى إلى درجة الإنصهار مع باقي مكونات العمل الإعلامي وآلياته التي تؤول في الكتابة الصحفية إلى لازمة مؤسسة للإنخراط في مضمار المهنية والاحترافية، التي تعد عملة نادرة في المتداول الإعلامي اليوم بمدينة مراكش، بفعل تدخل مكونات خديجية وناهبة لحق الآخر.
فتحت غطاء التطفل والتطاول، وأحيانا كثيرة تحت غطاء الوقاحة الأدبية والمعنوية، تتم الممارسة الإعلامية وفق هذه المعطيات دون امتلاك ممارسيها لأدنى شروط التفاعل مع المكتوب، تدبيجا وتحليلا واستنتاجا، بل غدا المفهوم الإعلامي لذا الكثيرين لصيقا بمفهوم الريع والتحوز على المقابل المادي استجابة لعوامل سلبية استوطنت الأقلام ودجنت الأفكار، وضللت أصحابها ليتحولوا إلى خانعين لتوجهات ضاغطة وموجة لبعض مرتزقة الإعلام .
ما يثير الإستغراب، هو إقدام بعض أدعياء الإعلام ومشوهيه على تحويل ذات الإعلام إلى آلة وظيفتها تحصيل ومراكمة الأموال وتملك السيارات، وأحيانا الشقق العديدة مما يفضح البعض ويصنفهم في خانة الانتهاز، وتعشق الزيغ بشرف المهنة وجهة المساومة والسمسرة وأحيانا المقايضة، ما يحيل إلى أن انجازاتهم يحوم حولها الشك قياسا مع مستحقات رواتبهم الوظيفية التي تحقق بالكاد الكفاف المضغوط، وإذ لا يحتاج الباحث إلى بذل مزيدا من الجهد للكشف عن هذه الطينة البئيسة في تفكيرها، والموبوءة في فهمها لدور الإعلامي الحق.
الموضة التي أصبحت شائعة دون وجل ولا خجل، ودون مسحة حياة، هو إتقان بعض حثالات الإعلام تبييض بعض الفشل الذي أزكمت رائحته الأنفس، وتقديم أصحابه كأبطال بريئين براءة الذئب من دم يوسف، طينة من مارقي التضليل الإعلامي، الذين يقدمون أنفسهم ” جهابذة “، وما هم بذلك، ويوهمون أنفسهم بأنهم بلغوا الأستاذية في الميدان، وواقع الحال يشهد على أنهم مجرد بيادق إعلامية يسخرون أقلامهم المكسرة، والماتحة من الغثيان وألفاظ السوقة وعديمي الضمير.
الإعلام في مدينة مراكش، يحتاج إلى وقفة تصحيحية، تبعد أشباه الإعلاميين، عتاة الإرتزاق والإنتحال، وسدنة الأضاليل والتيه الإعلامي، إذ بدون هبة تصحيحية ستبقى دار لقمان على حالها، وتصبح الفرصة مواتية أكثر لاستئساد أصحاب أقلام مأجورة دون امتلاك مخالب الإستئساد، لأنهم في كل النهايات لا يمكن تصنيفهم إلا في خانة المتلاعبين بشرف المهنة وقدسيتها.
طريق الإصلاح مفروش بالمصاعب، أقلها مواجهة من يرغب في الإصلاح بالتغول والتقول، والتخرس، فهذه الطريق ليست حكرا على أحد، وليست برافضة لذوي النيات الحسنة من إعلاميي مراكش المعدودين ضمن كبة الشرفاء، وأصحاب الأقلام النزيهة الذين استطاعوا أن يحموا أنفسهم من الإدعاء والزعم والسباحة في مستنقعات المكر الإعلامي، والتشدق بمفردات التيئيس من تركيز الإصلاح، هم فئة قليلة، لكنها قادرة على تحقيق الأهداف من الممارسة الإعلامية التي تحترم المجال ومتطلباته، وما ذلك بعزيز عليهم، خاصة، وأن رائحة الفساد الإعلامي بدأت تصل إلى ردهات المحاكم.