عز الدين المناصرة
ولدتُ بين بحرين: أحدهما (ميت)، والآخر (أبيض متوسط). ولم يظهر اسم (الأبيض المتوسّط)، إلا بعد أن استخدمه (سولينوس) في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، وهكذا كنتُ من جبل في بلدة (حلحول) الخليلية، الواقعة في مدخل مدينة الخليل، أشاهد البحر الأبيض المتوسط، الذي يبعد حسب خطّ هوائي عن البحر، حوالي ستين كيلومتراً.
هذا الجبل في حلحول، هو أعلى نقطة في فلسطين كلها، إذْ يرتفع عن سطح البحر، حوالي (997 متراً)، لكنني لم أكن أستطيع أن ألمس ماء البحرين، بل كان وما زال ممنوعاً علينا فعل ذلك، لأنّ (الدولة–الخازوق)، تقف عائقاً دون ذلك، أي لم يكن يحقّ لي سوى النظر من بعيد. وهكذا بدأتْ علاقتي بالبحر الأبيض المتوسط، بعد أن غادرتُ فلسطين عام 1964، إلى المنافي الإجبارية، بعد أن أصبحتُ ممنوعاً من دخول فلسطين منذ كارثة عام 1967، التي سمّاها محمد حسنين هيكل: (نكسة)، من باب التخفيف على الرأي العام، رغم أنها كانت (نكبة ثانية)، بامتياز، حيث استكملت (الدولة – الخازوق)، احتلال ما تبقى من فلسطين: (الضفة الغربية)، التي كانت تحت الحكم الأردني، و (قطاع غزّة)، الذي كان تحت الحكم المصري، بعد أن تمَّ تهجير مليون فلسطيني عام 1948 من منطقة (48). وهكذا أصبحتُ (لاجئاً فعلياً) في المنافي، دون أن يعترف أحدٌ بأنني (لاجئ)!!، بل لم أعترف في داخلي أنني لاجئ، لأنني كنتُ دائماً على قائمة الانتظار الطويل الطويل الطويل: كلُّ شيء مؤقت.
الإسكندرية أوّلاً:
سبحتُ في مياه المتوسط لأوّل مرّة عام 1966 في (الإسكندرية). عشقتُ البحر، أنا القادم من أعالي جبال الخليل: أصحو لأجلس قليلاً في شرفة المنزل، أراقبُ الصيّادين، وهم ينتظرون أن تلتقط صنانيرهم، بعض الأسماك التي دفعها الموج إلى الشاطئ. أنتظر (أماندا) الإغريقية، ذات الثمانية عشر ربيعاً، كي نقيم قصوراً في رمل الشاطئ. أتعرَّف في الماء إلى مُمثّل ناشئ آنذاك، اسمه (نور الشريف)، الذي التقيته لاحقاً في مهرجان طشقند السينمائي، عام 1976: أذهبُ إلى مطعم شعبي لتناول وجبة سمك طازجة، قرب مسجد (المرسي أبو العبّاس). أعود إلى المنزل، لأجلس ثانية في الشرفة، أتأمل الأبيض المتوسط. في المساء، أتصل هاتفياً بـ (أماندا)، لنكسدر على الكورنيش، ثمّ نجلس في مقهى بحري مختلط. أودّع أماندا، وأكمل الليل: عرف شعراء وأدباء الإسكندرية بوجودي، فالتقينا في مقهى في قلب البحر، نصل إليه عبر جسر. أوغلُ في الليل، لأستمع إلى أغاني (سيّد درويش) في إحدى حانات الأبيض المتوسط. لم أكن أتصوّر أنني سألتقي لاحقاً بحفيد سيد درويش، (المطرب إيمان البحر درويش)، (ليس في الإسكندرية)، بل في عمّان، حيث تشاركتُ معه في حلقة تلفزيونية، لصالح قناة (الرسالة)!!. وفي صيف 1968، ذهبت إلى الإسكندرية، التي تعني لي : البحر. صُدمتُ حين عرفت أنَّ (أماندا)، قد هاجرت مع أسرتها إلى أستراليا. كان البحر الأبيض المتوسط، شاهداً على خفقات القلوب المحترقة. ومنذ نهاية الستينات، لم أزر بحر الإسكندرية حتى عام 2003: فجأةً، تلقيتُ دعوةً للمشاركة في (المهرجان الدولي الشعري الأوّل لشعراء البحر الأبيض المتوسط). هكذا أصبحتُ شاعراً متوسطياً. كانت تلك الرحلة من أجمل رحلاتي الشعرية. استقبلني أدباء مصر والإسكندرية بترحاب شديد، واستعدنا بعض الذكريات. صارت الإسكندرية أجمل، رغم الزحام. زرتُ منزل أحد شعرائي المفضّلين: (كفافيس)، اليوناني المصري الإسكندراني، الذي تحوّل إلى متحف. ألقيتُ أشعاري في قاعات مكتبة الإسكندرية. سبحتُ في منطقتي البحرية المفضّلة (المنتزه). سهرتُ مع بعض شعراء اللهجة المصرية في مقهى شعبي، وكان بعض شعراء الحداثة، يتناقشون حول مصطلح (المعادل الموضوعي) لإليوت، حين دخل أحد شعراء اللهجة البسطاء، فاستمع إلى الحوار، وتساءل ببساطة: (تطْلعْ مين دي.. أُمُّ عادل الموضوعي!!). وضحك الجميع.
بيروتُ يا بيروت: شمس المتوسط:
أقوى علاقة لي مع الابيض المتوسط، كانت في بيروت، حيث كان البحر صديقي الدائم، من شواطئ بيروت، مروراً بشاطئ (الصرفند)، وحتى شاطئ صور، حيث تفوح منه رائحة التاريخ. ورغم أنني عشت سنوات قليلة في بيروت، إلاّ أنَّ صلتي بها، كانت وما تزال قويّة: ولدت زوجتي في بيروت على مقربة من البحر. ولد ابني عام 1979 في بيروت. وكانت علاقتي بشاطئ (الدامور)، و (السعديات)، بين بيروت وصيدا، قوية، حين كنت مديراً لمدرسة أبناء وبنات مخيم (تلّ الزعتر) في الدامور بعد تهجيرهم في صيف 1976. أما شاطئ مدينة (صيدا)، فقد سبحت فيه قرب (الجزيرة السوداء). هناك علَّمني فتىً فلسطينيٌ من مخيم (عين الحلوة)، كيف أسبح على ظهري لأول مرّة، إذْ كنتُ قبل ذلك أخاف من السباحة على الظهر. قال لي: أتركْ جسدك في قلب الماء، واخفض رأسك، ولا تخف، ولا تتوتر، ستجد جسدك يطفو من تلقاء نفسه. وهناك كنت أشاهد صديقي الفدائي الفلسطيني (أبو النور)، وهو يُفكّكُ ساقه الصناعي، بعد عملية فدائية جُرح فيها، لينساب بليونة ومهارة في الماء لمسافات طويلة.
وفي (استراحة صور) البحرية، كنت أرقب الموج الأبيض يتدافع أمامنا، قادماً (ربَّما!!) من (عكّا) الفلسطينية، مدينة زوجتي. ولم أكن كنتُ قد ركبتُ في حياتي سفينة ضخمة، إذْ قد ركبتُ قبل ذلك، قوارب في نهر النيل في القاهرة، تلك التي كانت تأخذنا نحو (القناطر الخيرية)، لكنّ الصدفة تجبرني هذه المرّة على الرحيل من بيروت مكرهاً، لأركب سفينة يونانية، اسمها (شمس المتوسط) من ميناء بيروت إلى ميناء (طرطوس) السوري، بتاريخ (1/9/1982) في نهاية حصار بيروت، الذي عشته كاملاً، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. استدعاني الشهيد (العميد سعد صايل)، قائد القوات الفلسطينية – اللبنانية المشتركة في معركة حصار بيروت، بصفتي مندوباً عن مركز الأبحاث الفلسطيني، وسألني عن الجهات التي يرغب زملائي الذهاب إليها. أجبته: الجزائر، واليمن، باستثنائي شخصياً، إذْ لا أعرف أين أذهب، وحين لاحظ حيرتي، قال: أنصحك بسفينة طرطوس، وحين تصل دمشق، تتدبّر أمرك. ولاقت الفكرة هوىً في نفسي. هكذا حملتْ السفينة اليونانية (شمس المتوسط)- (682 فدائياً وطفلاً وامرأة)، كنتُ أحدهم. كانت الطائرات الفرنسية تطير فوقنا، تراقب السفينة من ميناء بيروت حتى ميناء طرطوس. انطلقت السفينة في الساعة الثانية عشرة ظهراً، ووصلت في التاسعة مساءً، حيث كانت (شبابيك الحلوة) في طرطوس، مضاءةً بالكهرباء، ولكنّ (الحرس في الميناء)، منعنا من أن نبوسَ الشبابيك، أو حتى أن ندخل المدينة. كانوا قد جهّزوا سبعة باصات ضخمة لنقلنا إلى معسكر للجيش السوري، يقع على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً من دمشق. كان معي على ظهر السفينة الشاعر العراقي سعدي يوسف، والفنانة المصرية نادية لطفي، وعددٌ من القيادات السياسية: صلاح خلف (أبو إياد)، وأبو موسى (حركة فتح)، وأبو ماهر اليماني (الجبهة الشعبية) وغيرهم.
لقاء المتوسّط بالأطلسي:
تعبثُ بك الصدفة: فلم أكن أفكّر في يوم من الايام، أنني سأعيش في تونس والجزائر في الفترة (1982-1991)، ولكن ذلك حدث بالفعل. كان (فندق سلوى) التونسي، هو مقرّ القيادة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات. أقمت مع زوجتي وطفلي في الغرفة الملاصقة لمكتب عرفات في هذا الفندق. لم يكن يُسمح لنا بالخروج من الفندق الذي يقع في الضواحي إلى تونس العاصمة، إلا بإذن مكتوب، مُوقَّعٍ من (العقيد داود أبو الحكم)، ولساعات محدّدة، ولكن سُمح لنا بعد شهرين، استئجار منزل في تونس العاصمة. هكذا سكنتُ في منزل على شاطئ (صلامبو) في شارع الكاهنة، وأصبح البحر المتوسط جاري، إذْ لا يبعد عن المنزل، سوى بضعة أمتار. وحين حدث الانشقاق في حركة فتح بين (جماعة تونس)، و (جماعة الشام)، عام 1983، قررتُ الرحيل إلى الجزائر، حيث عشتُ في مدينتي (قسنطينة)، و (تلمسان)، المسافة بينهما هي (1100 كم). كان البحر الأبيض المتوسط في هذه المرحلة صديقي: بحر عنّابة، بحر جيجل، بحر سكيكدا في الشرق الجزائري، وبحر بني صاف قرب تلمسان، وبحر وهران في الغرب الجزائري، قرب الحدود المغربية، حيث يختلط البحر بأصوات الموشّحات الأندلسية، وباللغات الفرنسية والإسبانية، والأمازيغية والعربية. وفي هذه المرحلة، كنّا نسبح في بحر (السعيدية)، المغربية القريبة من مدينة (وجدة)، الشهيرة بالغناء الغرناطي. سافرتُ بالقطار نحو مدينة (طنجة)، وهي مدينة مغربية عالمية، حيث ترى (جبل طارق) بالعين المجرّدة. كنتُ في شاطئ طنجة مع صديقي المغربي عبد اللطيف بن يونس (المذيع في إذاعة طنجة)، نفتّشُ عن صديقنا الروائي (محمد شكري)، في حانات الشاطئ، وحين وصلنا إلى حافة اليأس من العثور عليه، قالت لنا إحداهُنَّ: (سي شكري، معه دراهم كثيرة هذه الأيام، ولم يعد يأتي هنا إلاّ قليلاً. ستجدونه في فندق في الجبل). وفعلاً، وجدناه هناك قُرْبَ زجاجته: سهرنا مع شكري، ثلاث ساعات متواصلة، واستأذناه. طلب رقم هاتف الفندق الذي أقيم فيه، فكتبتُه على وُريقة، ووضعته في جيب قميصه. عصر اليوم التالي، اتصل بي هاتفياً، مُعاتباً: (تأتي إلى طنجة، ولا تسأل عني!!). ضحكت وقلت له: تعال وسوف نتحدث. كان صديقي المغربي، قد أخذني إلى آخر نقطة في شاطئ المتوسط، وقال لي: أدخلْ في الماء. لماذا. قال: أدخلْ فقط. دخلتُ بقدمين حافيتين في الماء. قال لي: ماذا تشعر. قلت: (ماءٌ دافئ، وماء بارد!!). قال: هنا يلتقي البحر الأبيض المتوسط مع المحيط الأطلسي. سبحنا في (بحر طنجة)، وبحر (مدينة أصيلة)، وعدنا إلى شاطئ مدينة المحمدية بالقطار، قرب الدار البيضاء. استأجر لنا الصديق محمد بنّيس، منزلا، وكنّا نذهب كلّ يوم للسباحة في (بحر المحمديّة)، لكنه هنا في المحمدية، ليس البحر الأبيض المتوسط، وإنما هو المحيط الأطلسي، حيث بُني في ماء المحيط بالدار البيضاء (مسجد الماء)، وهو تحفة فنيّة عظيمة لا مثيل لها. هكذا أكون قد سبحتُ في الإسكندرية، وبيروت، وتونس، والجزائر، ووصلت إلى آخر نقطة في البحر المتوسط عند لقائه بالمحيط الأطلسي قرب طنجة. وحده، بحر فلسطين: بحر عكّا وحيفا ويافا وعسقلان وغزّة، بقيتُ ممنوعاً من الوصول إليه، طيلة حياتي.
مُدُنُ المتوسط:
مستطيل غير متناسق، هو المتوسط. قاعدته الجنوبية، عربيةٌ مئة بالمئة من بور سعيد المصرية، حتى طنجة المغربية. أما قاعدته الشرقية، فهي عربية مئة بالمئة أيضاً من غزّة حتى الإسكندرونة، باستثناء مشكلتين: الأولى هي مشكلة (أنطاكية والإسكندرونة)، وهما سوريّتان، حيث تبدأ حدود تركيا الفعلية من (أضنة) التركية، وهذه المشكلة اختلقها الاستعمار. أما المشكلة الثانية، فهي احتلال إسبانيا لمدينتي (سبتة، ومليلة) المغربيتين، وهما من الناحية الطبيعية جزء لا يتجزأ من المغرب، لأنهما تقعان على الشاطئ الشرقي للمتوسط. وتقع المدن المتوسطية العربية على الشاطئ الجنوبي والشرقي للمتوسط في البلدان التالية: (فلسطين، سوريا، لبنان، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب). ومن أشهر هذه المدن العربية المتوسطية: غزّة ، يافا، حيفا، عكّا، صور، صيدا، بيروت، طرابلس، طرطوس، بانياس، جبلة، اللاذقية في الجهة الشرقية للمتوسط. وبور سعيد، دمياط، الإسكندرية، طبرق، درنة، البيضاء، بنغازي، طرابلس، قابس، سوسة، تونس، بنزرت، عنّابة، سكيكدا، بجاية، الجزائر، مستغانم، وهران، سبتة، مليلة، تطوان، طنجة… وغيرها، وكلّها في القاعدة الجنوبية للمتوسط. وتتفرع من البحر الأبيض المتوسط، بحور فرعية، منها: بحر إيجة بين اليونان وتركيا، والبحر الأدرياتيكي يبن اليونان وإيطاليا، والبحر التيراني، القريب من (الحذاء النِسْوي الإيطالي). وهناك أيضاً عدد من الجزر المشهورة في المتوسط، مثل: (قبرص، كريت، سردينيا، كورسيكا، جزر البليار، رودوس، مالطة). أمّا شمال المتوسط فتقع دول أوروبا: (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، يوغسلافيا، ألبانيا، اليونان)، إضافة إلى تركيا.. الخ، بمدنها المتوسطية الشهيرة. وهكذا، فإنّ الشراكة بين العرب وأوروبا، حول المتوسط، هي شراكة طبيعية، تحكمها دكتاتورية الجغرافية، وثقافة المتوسط المتشابهة إلى حدّ كبير، وكان يحكمها الصراع أيضاً.
الصراع على المتوسّط: (… إلاّ بإذنٍ من قرطاجة الكنعانية):
يقول المؤرخون القدامى: (كانت الإمبراطورية الرومانية، لا تجرؤ على الاغتسال بماء المتوسط، إلاّ بإذن من قرطاجة الكنعانية). وقد أطلق الكنعانيون على البحر الأبيض المتوسط، لقب: (بحر أمورو الكنعاني العظيم)، و (البحيرة الكنعانية). أما الرومان (الذين اشتهروا بأنهم قومٌ لا خبرة لهم ولا معرفة بتقاليد البحر)، حسب (جوفري ريكمان)، فإنّ البحر المتوسّط هو الذي أتاح المجال الرئيسي لتوسيع الإمبراطورية، حيث أطلقوا عليه لقب: (بحرنا – mare nostrum)، وأصبح البحر خالياً تماماً من القراصنة في الفترة من العام (36ق.م)، وحتى القرن الثالث الميلادي، مما زاد في حجم التجارة مع الشاطئ الجنوبي والشرقي من المتوسط، حيث حملت السفن البضائع، (القمح والنبيذ وزيت الزيتون، والخشب والمعادن) من مصر وأرض كنعان إلى روما. وتبلغ مساحة سطح البحر المتوسط، حسب ريكمان أيضا: (2.96 مليون كيلومتر مربع)، ويبلغ حجمه : (2.24 مليون كيلومتر مكعّب)، وهو أكبر بحر داخل اليابسة، وأحواضه الرئيسة، تصل أعماقها إلى أعماق المحيطات، والحوض الغربي له قاع مسطّح عند عمق نحو (2700متر)، كذلك الحوض الشرقي- ثمّ وصلتْ الحياة التجارية لروما، إلى حالة الانحطاط الشديد، بشكل مطَّرد حتى القرن السادس الميلادي، قرن انحطاط روما. وهكذا قال هنري تشادويك في كتابه: وداعاً للعصر القديم، 1986: (لم يعد البحر المتوسّط بحيرةً رومانية)!. -أنظر كتاب (البحر والتاريخ: جوفري ريكمان: ص 12 + 16+ 30).
-سيطر (الكنعانيون)، ونحن نعني سوريا وفلسطين ولبنان والأردن على البحر المتوسط، وكانوا في صراع دائم مع اليونان وروما، للسيطرة على طرق التجارة البحرية، وكان الأردن في العهد الروماني، يُسمّى (فلسطين الثالثة)، حسب التقسيم الإداري، ولم تتم السيطرة اليونانية على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، إلاّ بعد حصار صور (332-331ق.م) في عهد الإسكندر المكدوني. أمّا (فينيقيا الكنعانية)، فلم تكن تعني (لبنان) وحده، بل كانت تعني أجزاء من سوريا وفلسطين. أمّا مصطلح (الفينيقيين)، فهو مصطلح يوناني أطلق على قبائل (بني كنعان)، بل إنّ الكلمة نفسها، تعني في اللغة اليونانية القديمة (بني كنعان). وأعتقد أن المستشرقين الفرنسيين بالتحديد، هم من أعاد ترسيخ مصطلح (الفينيقيين)، خصوصاً إرنست رينان، بهدف سلخ لبنان عن سوريا، لأهداف فرنسية استعمارية. فالفينيقيون هم كنعانيون. يقول عبد الله الحلو: (هناك أدلّة كثيرة على أنَّ الفينيقيين أنفسهم، سكان المدن الساحلية، كانوا في كل أدوار تاريخهم يعتبرون أنفسهم كنعانيين. وحتى بعد زوال قرطاجة كان من بقي في إفريقيا الشمالية من سكانها، يدعون أنفسهم كنعانيين – (أنظر: مقدمة كتاب جان مازيل: الحضارة الكنعانية الفينيقية: ص 14).
وهكذا، فإنَّ حركة الاستشراق الفرنسية هي التي عمَّمت مصطلح (الفينيقيين) على لبنان، وشمال إفريقيا، ومحت اسم (الكنعانيين) تدريجياً، مع أن القدّيس أوغسطين الجزائري يقول حرفياً: (إذا سألت سكّان نوميديا (الجزائر الشرقية)، قالوا: نحن كنعانيون)، تماماً كما حاولوا محو اسم (فلسطين)، ودورها الحضاري في قلب الحضارة الكنعانية. يقول المؤرخ اللبناني فيليب حتي: (يمكن الاعتقاد بأن الفلسطينيين، أعطوا جيرانهم وورثتهم الفينيقيين، ميلاً إلى الأسفار البحرية البعيدة، كان من نتائجه استكشاف البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، والمحيط الأطلسي الشرقي: (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين: ص 200). أما – هيرودوت في كتابه (التاريخ)، المكتوب عام 450 ق.م، فهو يصف التجهيز لإحدى المعارك البحرية الكبرى بالقول: (وكان الأسطول يتألف من ألف ومائتين وسبع من السفن الضخمة الطويلة، عدا القوارب والسفن العادية: قدّم الفينيقيون، والسوريون سكّان فلسطين- (300 سفينة)، وكان إسهام المصريين، هو (200 سفينة) – (هيرودوت: التاريخ: ص 5229)، ورغم أن هيرودوت فصل بين الاسمين (الفينيقيون، والسوريون سكّان فلسطين)، إلاّ أننا نلاحظ أنه جمع بينهما في (عدد السفن)، وهذا يدلّ على الشراكة بينهما. ومعنى ذلك، أنهما شعب واحد (كنعاني)، لكنّ ترجمة كلمة (فينيقيين)، هي (بني كنعان- بينيكيان) في اللغة اليونانية القديمة، ولا بُدَّ أنّ الخطأ هنا في نقل اللفظة صوتياً.
قيسارية، وعتليت: مدنٌ غرقى تحت الماء:
يقول (ن.س. فليمنغ: البحر والتاريخ: ص 65+ 79)، بأنّ المدن البحرية الأثرية، تعرضت للغرق تحت الماء، بنسب متفاوتة، فقد غرقت مدينة (قيسارية) الفلسطينية، ثمانية أمتار تحت الماء. أنشئت قيسارية بأمر من هيرودوس (حَرَد الأدومي العربي)، عام (25ق.م)، ثمّ دمّرتها الزلازل والانخسافات الأرضية في القرن الأول بعد الميلاد، وقد كشفت الأبحاث على أنّ المباني على خطّ الشاطئ على بعد مسافة بضع عشرات الأمتار من الشاطئ الحالي، كانت تقع على المستوى العمودي الصحيح نسبة إلى مستوى البحر الحالي. أما بعيداً عن الشاطئ، فقد كانت مصدّات المياه الحجرية الهائلة، مترافقة مع أرصفة الموانئ والمباني العامة، والمنارات مغمورة بما يقرب من 5 إلى 8 أمتار. وكشفت الحفريات تحت الماء في قيسارية الفلسطينية، والحفريات في الميناء الداخلي على اليابسة، عن أحد أهم الإنجازات التكنولوجية في العالم القديم، وأكثرها إثارة للدهشة، وهو عبارة عن مبانٍ اسمنتية هائلة تمنع تسرب المياه أثناء العمل تحتها، وهي تحتوي على أبواب خشبية محكمة، وقد وجدت جميعها غارقة في البحر مكونة قلب المصبّ المائي. ويضيف (فليمنغ)، بأنه توجد قرية قرب (عتليت الفلسطينية)، تنتمي إلى العصر الحجري، جنوب عتليت مباشرة، وهي تقع على عمق (10.5 مترا تحت الماء). وتؤدي التحركات الموسمية للرواسب إلى عملية متبادلة من التغطية، ثمّ الكشف لعدد كبير من البقايا البشرية، والأدوات الحجرية والمواد العضوية والمدافئ والمدافن. وثمّة عمود بئر مُبطَّن بالحجارة يمتد إلى عمق خمسة أمتار تحت الطبقة الصخرية الرقيقة للبحر، ليصل إلى عمق كلّي مقداره 15.5 متراً تحت المستوى الحالي للبحر. ويصل (فليمنغ) إلى الخلاصة التالية: (ثمّة شروط عديدة تحدّد استجابة الإنسان للارتفاع والانخفاض في مستوى البحر، منها: رغبته في أن يقيم قريباً من الموارد القابلة للاستغلال، ومنها الرخاء الاقتصادي، ومنها التغيرات التي يمكن أن تحدث في طوبوغرافية الساحل نتيجة للتغيرات في مستوى البحر، ومنها القدرة التكنولوجية، ومنها الخوف من القرصنة. ففي ظل أوضاع معينة، يمكن للجماعة الساحلية أن تقاوم الدمار الذي قد يُحدثه ارتفاع مستوى البحر، وفي أوضاع أخرى، يمكن أن تُهجر الموانئ والمدن الكبرى، ويتشتت السكان: (فليمنغ: 83).
فلسطين المتوسطيّة: تالمين الخليلي، (هوميروس فلسطين):
كانت ثقافة مصر القديمة، نهرية (النيل)، وكانت ثقافة العراق القديم، نهرية أيضاً، (دجلة والفرات)، أما ثقافة فلسطين القديمة، فقد كانت تعدديّة: (بحرية، جبلية غابيّة، سهلية زراعية، رعوية في الهضاب، وأطراف الصحراء)، كذلك الأمر بالنسبة لسوريا ولبنان، بينما كانت ثقافة الأردن القديم، ثقافة تميل إلى (الرعوية) في مناطق مؤاب والجنوب، وزراعية غابية في الشمال. وبما أن الأردن، هو الامتداد الطبيعي، والعمق الاستراتيجي لفلسطين، فإنه بشكل عام، يمكن أن يوصف بأنه (متوسطي)، حتى حدود الصحراء، لأن (المتوسطية)، لا تعني المدن الساحلية الواقعة مباشرة على شاطئ البحر فقط، بل عمقها الجغرافي والثقافي والحضاري، فإذا وقفتَ عند أطلال (أم قيس) الأثرية، ونظرت غرباً، حيث سهول بيسان الفلسطينية، والجولان السوري، أدركتَ أن هذا المثلث، متوسطيٌّ بالكامل، تدعمه زراعة البحر المتوسط في سهول إربد، والصفة (الغابية) في جبال عجلون، وثقافة جدارا (أم قيس)، الأردنية حالياً.
إذن، لم تكن فلسطين القديمة، صحراوية، بل كانت ذات ثقافة تعددية (بحرية، جبلية، سهلية). ويكفي فلسطين أن يكون (تالمين الخلّ- إيلي) الخليلي، هو هوميروس فلسطين، الذي سجّل في قصائده مأساة الشعب الكنعاني في صراعه ومقاومته للأعداء في العصر القديم، والشاعر (أيّوب السبعاويّ الأدومي) النبيّ، وصاحب المزامير الحزينة، و (مليغر الجداري) من أم قيس، وهو شاعر كتب بالآرامية الكنعانية في العصر الهلليني، وغيرهم. أمّا في العصور الإسلامية، فقد ازدهرت الثقافة المتوسطية في فلسطين، يقول خليل عثامنة (فلسطين في خمسة قرون: ص 301)، ما يلي: لمّا قرر (معاوية بن أبي سفيان)، مهاجمة جزيرة قبرص، أمر بترميم ميناءي عكّا، وصور، وأمر أهل الساحل بإصلاح المراكب وتجميعها في (عكا). ثمّ أمر بعد ذلك، بنقل دار الصناعة (حوض بناء السفن) من مصر إلى عكّا، لتصبح قاعدة الصناعة البحرية في بلاد الشام. وعندما استولى الفاطميون على بلاد الشام، أصبحت مدن الساحل الفلسطيني، المتوسطي، وخصوصاً، عسقلان، ويافا، وأرسوف، وقيسارية، وعكا من أهم القواعد البحرية. ومن الطبيعي أن تصبح الملاحة البحرية وصناعة السفن، تقليداً متوارثاً لدى أبناء الشعب الفلسطيني في المدن الساحلية. ولم يقتصر بناء السفن على أهل المدن الساحلية، بل شمل أيضاً أهالي المدن الداخلية، فقد أشار الجغرافيون العرب إلى السفن والقوارب، التي يستخدمها (فلاّحو فلسطين وتجّارها)، لنقل غلالهم وبضائعهم بين الأسواق الواقعة في محيط البحر الميت، وعلى شواطئ بحيرية طبرية).
هزيمة (وعد نابليون الإسرائيلي)، أمام أسوار عكا:
في (9/1/ 1799م)، أصبح (والي عكّا: أحمد باشا الجزّار)، حاكماً لطرابلس الشام، ومقاطعة يافا وغزّة. وهكذا أصبح أقوى شخصية في المنطقة. وفي شباط 1799، تقدمت الحملة الفرنسية باتجاه غزّة وأسدود والرملة، وحاصر الجيش الفرنسي يافا، واحتلها في آذار 1799، بعد مقاومة شعبية عنيفة، وارتكب الفرنسيون مذبحة كبرى في يافا، حيث ذبحوا ألفي أسير، وقيل: أربعة آلاف أسير. وقد أشار نابليون في مذكراته بأن ما فعله في يافا، (كان وصمة عار في تاريخه العسكري). وتقدّم الجيش الفرنسي، نحو عكّا، بتاريخ (18/3/1799)، وحاصرها حتى تاريخ (22/5/1799)، أي حوالي (64 يوماً). وكانت عكا محاطة بسور منيع وأبراج وخندق غميق عريض، وتنقل المياه إليها من قناة محكمة البناء. أما المدافعون عن المدينة، فكان عددهم (ستة آلاف مقاتل فلسطيني)، يمتلكون ثلاثين مدفعاً. وشنّ الجيش الفرنسي، هجمات متكررة على أسوار المدينة وبواباتها، لكن المناضلين صدوّها جميعا، بل قاموا بهجومات معاكسة. ثم أحضر نابليون مدافع جديدة من مصر، وجدّد محاولاته احتلال عكا، ولكن دون جدوى. وقدّر ضابط فرنسي، خسائر الجيش الفرنسي ب (300 قتيل وجريح)، وكانوا قد خسروا (1500 جندي) في معركة يافا، فانسحب الجيش الفرنسي مهزوماً أمام أسوار عكا، وقدّرت خسائره، بأكثر من ألف جندي، وقد دمّر الجيش الفرنسي القرى والمدن في طريق انسحابه إلى مصر، حيث وصل نابليون القاهرة، بتاريخ (14/6/1799) – (أنظر: عادل منّاع: تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني: ص 94-99).
-يبدو لي، أنّ هزيمة نابليون أمام أسوار عكا، قد أخّرتْ تنفيذ (وعد نابليون الإسرائيلي)، الذي وزّعه في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا، بل وزّعه في فلسطين، وهو (الوعد) الأكثر وقاحة في التاريخ الحديث، وقد حدث تأخير تنفيذ الوعد، بفضل المقاومة الفلسطينية في عكّا، ويافا وغيرها، إذْ عاد نابليون محبطاً، بل إنّ (الوعد الفرنسي الإسرائيلي)، تمّ قبره نهائياً، لتتسلّم بريطانيا لاحقاً راية الوعود – أنظر: النصّ الكامل لوعد نابليون الإسرائيلي في كتاب: (محمد حسنين هيكل: المفاوضات السريّة، الجزء الأول: ص 31-32).
-وهكذا، كان الصراع على المتوسط، عسكريا،ً منذ اليونان والرومان والحروب الصليبيبة، وحتى هجوم الجيش الفرنسي على فلسطين بقيادة نابليون. ففي العصور القديمة، كان الصراع بين الكنعانيين الشاميين (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، وبين اليونان، عسكرياً وتجارياً وثقافياً، ففي الجانب الثقافي، تبنّى اليونانيون، الأبجدية الكنعانية، التي كانت قد مرّت بثلاث مراحل: مرحلة جنوب فلسطين (التأسيس)، ومرحلة أوغاريت في شمال سوريا (التطوير)، ومرحلة جُبيل في لبنان (الذروة والنضج)، وهذه اللغة الكنعانية، هي أول أبجدية في العالم القديم، وبها تكلّم (الفلسطيُّون القدامى). ووصل الكنعانيون القدامى إلى شمال إفريقيا، فأقاموا فيها (حضارة قرطاجة الكنعانية)، التي كانت في صراع دائم مع الإمبراطورية الرومانية على البحر الأبيض المتوسط، ووصل الكنعانيون إلى قبرص ورودوس وكريت وأثينا، وإسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وإفريقيا الوسطى، وبريطانيا، وتركوا أثراً حضارياً، لا يُنسى. وكانت قرطاجة الكنعانية، حسب جان مازيل، هي (نيويورك العالم القديم).
إشكالية المتوسطيّة: الدولة الخازوق!!
كانت فلسطين قبل عام 1948 متوسطيّة حتى العظم، وبالتالي، فإنّ المتوسطيَّة، عنصر أساسي في (الهويّة الفلسطينية)، مثلها مثل العناصر الأخرى في الهوية: (الكنعنة والفلسطنة) و(العروبة الديمقراطية)، و (الإسلام العقلاني)، و (المسيحية التلحمية)، و (العالمية: القدس جذر العالم)، وغيرها من العناصر، وما تزال فلسطين، متوسطية، بحكم دكتاتورية الجغرافية الطبيعية. العامل الوحيد الطارئ على هذه المتوسطية النقية الطبيعية، هو نشوء (الدولة- الخازوق)، الاحتلالية النووية غير الشرعية على أرض فلسطين التاريخية من العام 1948، أي (دولة إسرائيل)، بمساندة أوروبية – روسية – أمريكية، وهي آخر استعمار في عصر العولمة في العالم كله. والحلُّ العادل، هو: (خذوا يهودكم، ونحن كفيلون بحماية الطائفة اليهودية الفلسطينية، وهي تشكل 7% من مجموع الشعب الفلسطيني، خذوا يهودكم، فأوروبا شاسعة وخصبة، وروسيا تتسع لهم، وأمريكا، تستطيع جمعهم في دولة). أمّا اليهود العرب، فلهم الحق في العودة إلى أوطانهم الأصلية العربية. خذوا يهودكم، لأنَّ (أوروبا)، هي الفاعل الأصلي للمحرقة، وليس الشعب الفلسطيني. لذا، فإنّ الإشكالية الأصعب في (الاتحاد المتوسطي)، هي محو ثقافة الشعب الفلسطيني المتوسطية، وإحلال (ثقافة الاحتلال الإسرائيلي) محلّها، رغم أنّ والممثل الشرعي الوحيد للمتوسطية، هي فلسطين، وليس الاحتلال.
إنّ (فرنسا الحُرّة)، تريد تنفيذ وعد نابليون الإسرائيلي، بمنح (الشرعية) لدولة الاحتلال في الذكرى الستين لاغتصابها لفلسطين، بعد أن صوتت فرنسا عام 1948 لصالح الدولة – الخازوق، وبعد أن منحتها المفاعلات النووية. وبعد هزيمة فرنسا في الجزائر عام 1962، انسحبت جيوشها، لتعود إلى تونس والجزائر والمغرب، بلباس مدني يُدعى (الفرانكوفونية)، عبر اللغة والثقافة الفرنسيتين، لترسيخ (فكرة الفينيقية) في لبنان من أجل عزل لبنان عن سوريا، وعزل الأقطار المغاربية عن شقيقاتها المشرقيات، بدلاَ من الاعتراف بوضوح بـ (الثقافة الكنعانية). وصاغت فرنسا (نظام الحصص الطائفية) في لبنان منذ عام 1943، بدلاً من (نظام المواطنة)، رغم أنَّ فرنسا لم تؤسس لنظام طوائف وأعراق في فرنسا نفسها، وإنما لنظام (مواطنة)، وتآمرت فرنسا مع أمريكا، لصياغة القرار سيئ الذكر (1559) في العام 2004 من أجل حصار المقاومة اللبنانية، وفكّ لبنان من عروبته.
وهكذا، فإنّ البحر الأبيض المتوسط، الذي كان مجالاً لتبادل البضائع والثقافات، والتعدديّة النوعية، أصبح فيه الفلسطينيون، (مخترعو أبجدية العالم، وصانعو السفن والقوارب، ومُصدّرو البضائع عبر البحر) – مجرد لاجئين غرباء في محيط المتوسط !!!، وحتى لو تمّ تمثيلهم، بـ (حكومة فيشي الفلسطينية)، فإنّ التمثيل، يظل ناقصاً، لأن (الدولة الخازوق)، تصبح فيه، حينئذٍ، متوسطية!! وهو أمرٌ مُقزّز، وهذا هو حال (الاتحاد من أجل منح شرعية لدولة الاحتلال)!!، فمتى يصحو ضمير العالم!!، ورغم ذلك كله، تظلُّ موسيقا (ياني) اليوناني، وموسيقا (تيودوراكيس)، وأصوات: فيروز، وأم كلثوم، وصباح فخري، وأشعار أراغون ولوركا، وكفافي، ورسومات بيكاسو، وغيرهم، تظلُّ تجمعنا حول حوض البحر المتوسط في وحدة طبيعية.