وقَّعَ ديربي العرب في إياب الدور الثمن بين الوداد والرجاء البيضاويين في إطار البطولة العربية للأندية للعام 2019، دورة الملك محمد السادس، على ترسيم المتوقع من المواجهة الكروية بين الفريقين، وعلى مدرجات ملعب محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء، الذي احتضن مساء السبت 23 نونبر هذه السنة 2019، إياب نفس الدور بين نفس الفريقين، وحيث كشفت الجماهير التي لم تترك مقعدا بالمدرجات إلا وملأته، عن إبداع جميل بدلالات رمزية منبئة بنوستالجيا احتفالية عميقة الإشارة بين السياق الوطني وسياق الوفاء والإعتراف، والسياق الفني ضمن ما يوحي باكتساب مهارات التعبير الهادف والمستهدف لتبليغ الرسائل في إطار الفرجة والإمتاع البصري، ويخرج المشاهدة الرياضية من معطيات “المتابعة” إلى “التبليغ”.
(التيفوهات) لم تعد تحضر للتجميل وتزيين المدرجات، إذ تأكد وتكرس رفعها “مُلْقِيَّةٍ” (نصا) أو مجموعة نصوص إشارية تكتسح “الفرجة البصرية” إلى “المتعة الذهنية”، التي تباشر على المتلقي تأثيرها، ونستحضر ضمن هذا السياق من المدرجات “تيفو” (ROOM 101- غرفة 101) الذي رفعته جماهير الرجاء، ويحيل على عمل روائي كبير للكاتب البريطاني (جورج أورويل)، ويوجه جمهور الرجاء من وراء هذا العنوان الروائي، فكرة أن “المحنة” التي سيجدها فريق الوداد في لقاءه بفريق الرجاء، وأن الجائحة وشدة الخطب مصير الوداد في المواجهة، حيث أن الرواية في مطاف سرديتها ترتقب وتتكهن بمصير للعالم ضار وطارق بالضائقة، في ما اختار أبرز تيفوهات جماهير الوداد تكريم الأب الروحي لكرة القدم البيضاوية، مؤسس فريقي الوداد والرجاء البيضاويين”الأب جيكو”، الذي اسمه قيد الحياة (محمد بن الحسن التونسي العفاني)، ونعود أصوله إلى بلدة (إيسافن) القريبة من مدينة (تارودانت)، وهو أول مغربي يحصل على ديبلوم تكوين المدربين، وأول وزير للشبيبة والرياضة على عهد أول حكومة مغربية بعد الإستقلال، مات فقيرا في السنة 1970، بحسب معلومات ويكيبيديا الموسوعة.
وإذ أن العملية متعلقة بعملية انتقال في استغلال الإحتشاد، فهي عملية ارتفاع بموضوع هذا الإنتقال من (مباراة رياضية) وصفاته (الإلتحام- التناوئ- الجري- التمرير- الخطأ- التهديف- الهدر- التسلل…)، إلى احتشاد (أفكار- أساليب- تعبيرات) تبارز، تحاور، تناظر بالإشتغال الثقافي تحفيز الموضوع الرياضي وتوسيمه باستحقاق التمثيل على الملعب بما تمارسه رسائله من تأثير إيجابي على المجموعة الرياضية التي توجد أثناءه ضمن عملية قالبة للأدوار، مستقبلة وغير مُسَفِّرَةٍ، فَالْمُلْقِيُّ وَالْمُسَفِّرُ قد بات المدرج الذي يشد الفرجة إليه ولا يشد إليها.
التيفو، أصبح من يسيطر ليس فقط على أداء الموضوع الرياضي، سلطته وسلطانه يمتدان إلى صناعة اللعبة الرياضية، يتحكم في الإشعارات، يستحوذ على الدعاية الإعلانية للوحات الإليكترونية، يحوز استملاك القوة الترويجية التسويقية، ويستأثر بمصادرة كل العناصر التي تتدخل في إجراء المواجهة الرياضية، يستحوذ بالإهتمام بين المضمون (الإيجابي) الذي يحمله والجمالية التي يظهر عليها، المضمون الإيجابي الذي يساهم ويشارك في تغطية الموضوع الرياضي (الحصيلة)، والجمالية التي تعمل على انبجاس وتفجير الطاقة الإبداعية الكامنة في موضوع التغطية الرياضية من خلال الحماسة الجماهيرية، واللذين حتما إذا ما التقيا واجتمعا على إدراك متابعة المواجهات الرياضية “متعة وفرجة ذهنية” أكثر منها “فرجة بصرية”، ستضمحل (الشوفينية) التي تؤجج (الشغب) بالملاعب الرياضية، وتسعر العدائية، وتذكي لظى التباغض، وتباعد ألفة الجماهير الرياضية بالدوريات الوطنية.
التيفوهات نظارة وليست خسارة، التيفوهات أن تكتسب رغبة المصاحبة لتقبل الآخر.