أعلنت وزارة الداخلية، يوم الاثنين 13 يوليوز 2020، عن إعفاء عامل عمالة مقاطعات الدار البيضاء – أنفا من مهامه، كما تمت مساءلة مجموعة من المسؤولين، وذلك بسبب “سوء تدبير لملف المحافظة على التراث التاريخي والمعماري بمدينة الدار البيضاء”، والمتمثل في هدم بناية تاريخية بشارع محمد الزرقطوني، والتي يعود بناؤها إلى عام 1932، وهو ما أثار موجة تنديد واستنكار من طرف مهتمين بالتراث المعماري بمدينة الدار البيضاء، بل وحتى على الصعيد الوطني
بينما فجيج يتعرض تراثها منذ بداية شهر يونيو 2020 للطمس والتشويه والمسخ، تحت معاول الهدم بتواطؤ مفضوح ومريب بين مجموعة من الجهات والأطراف، إدارية ومنتخبة، في سكوت تام وصمت مطبق من الجهات التي يفترض فيها أن تتدخل لحماية التراث الوطني في هذه المنطقة الحدودية، التي لها رمزيتها و وزنها التاريخي والحضاري والجغرافي والجيوسياسي وطنيا ودوليا
لم نكن لنعود إلى هذا الموضوع لولا بعض المستجدات التي تحمل دلالات قوية، والتي تتمثل في:
• المسيرة الفاشلة التي نظمت بجماعة فجيج، يوم الجمعة 02 اكتوبر2020، برعاية ومشاركة رئيس جماعة فجيج ومباركة بعض المسؤولين، في خرق سافر للحجر الصحي، ودون أدنى احترام لتعليمات الوقاية من مرض كوفيد 19
الاجتماع الذي عقد بمقر عمالة إقليم فجيج، يوم الخميس فاتح أكتوبر2020، على إثر قرار وقف الأشغال والذي سرب السيد رئيس المجلس الجماعي مشكورا جميع تفاصيله
• جدول أعمال دورة المجلس الجماعي لفجيج التي ستنعقد يوم 06 أكتوبر 2020، والذي نشر في عدة مجموعات على الفايسبوك والوات ساب
بعيد المسيرة الفاشلة التي نظمت بجماعة فجيج، مساء يوم الجمعة 02 أكتوبر2020، أدلى السيد رئيس المجلس الجماعي لفجيج بتصريح يسخر ويتهكم فيه من التراث الثقافي للواحة، وينكر وجوده، بل ويستهزئ من المثقفين الذين يدافعون عن ضرورة صيانته، متناسيا أن الواحة نهضت بمثقفيها، وتعد متحفا مفتوحا على الهواء الطلق، لها إرث حضاري ذا روافد متعددة أسهمت في نشر الثقافة والعلوم في غرب إفريقيا، وظلت مركزا ثقافيا وعلميا يُقصد من مختلف الأصقاع، واشتهرت هذه الواحة العريقة برجال وبيوتات العلم والثقافة، بدءا بآل سيدي عبد الجبار والسكونيين، وصولا إلى محمد عابد الجابري ومن قبله وبعده وهم كثيرون، فضلا عن تراث طبيعي فريد في المنطقة، ذا قيمة علمية واستثمارية هامة .. ويأتي الرئيس المحترم ويجرد المدينة من أعز ثروة تمتلكها وهي الثقافة ورجال العلم والفكر والثقافة، والموروث البيئي المشهدي البديع
سؤال بسيط قد يوجه إلى الرئيس: كيف لمدينة لا تراث لها، كما يدعي، أن تستفيد من برامج وطنية ودولية كبرى كلها تهدف لحماية التراث الطبيعي والثقافي للمدينة الواحة ..؟
في خضم المسيرة الفاشلة (بحضور 26 فردا ..!) نصّب أحد أعضاء المجلس نفسه ناطقا رسميا باسم رئيس المجلس، فصرح بأن المجلس سيناقش في دورة 06 أكتوبر 2020 اتفاقية بين الجماعة وبين جهة الشرق في شان الطريق السياحية .. غريب وعجيب أن توشك الأشغال على الانتهاء والاتفاقية لم توقع بعد، والمجلس البلدي لم يناقشها، والعامل لم يوقعها، وكذلك الوالي ورئيس الجهة .. أليس هذا عبثا ..؟
إذن، ما قانونية الأشغال التي تمت قبل التوقيع ..؟
ما قانونية لجنة التتبع التي يرأسها العامل ..؟
كيف تصبح اتفاقية سارية المفعول قبل التوقيع عليها ..؟
كيف سيتم تبرير أشغال تتم في مجال حضري مع أن الاتفاقية تنص صراحة على أنها تهم الوسط القروي ..؟
إن هذا نموذج فريد ومتميز وبلا منازع في العبث وغياب الحكامة، حيث كل شيء مقلوب ويتم بدون رقيب ولا حسيب، بل إن الوضع يدفع إلى التساؤل عمن يقف ويشجع كل هذا العبث، فأين أجهزة مراقبة الحكامة، أم إن الكل يتعاون لتحقيق هدف واحد وهو الإجهاز على ما تبقى من مقومات بهذه الواحة ..؟
السبب في هذا التساؤل، هو الوضع الغريب الذي تعيشه الواحة بسبب سيادة نظام أساسه العشوائية والعبث والتواطؤ المفضوح لتحقيق “مشروع” حامت حوله الشبهات منذ بزوغه، وقد استفاد من عدم الاكتراث بالأصوات المطالبة بالتريث وباحترام القوانين والمساطر، وإجراء الدراسات اللازمة، بل استفاد من التشجيع الرسمي المفضوح لاستمرار الأشغال لتفويت الفرصة على كل منتقد، لبلوغ مرحلة فرض الأمر الواقع، وقد تسرب من هذا التشجيع والتواطؤ ما صرح به أحد المسؤولين الكبار “ما عندي ما اندير لا بالتراث ولا بالتصنيف”، وكأن الأمر يهم شأنا خاصا به، وليس شأنا عاما إنسانيا وبيئيا بأبعاده المحلية والجهوية والوطنية والدولية
في يوم فاتح شتنبر 2020، عقد بفجيج اجتماع لدراسة الأثر البيئي لمشروع شق “الطريق السياحي”، في مقر بلدية فجيج (عمالة إقليم فجيج جهة الشرق)، أقل ما يمكن أن يقال عنه كما عبر أحد الظرفاء “حلقة من مسلسل الاستحمار”، حيث كان من المفروض أن تنجز دراسة للتأثيرات البيئية للمشروع قبل بداية بناء الطريق المعنية، غير أن ما حدث عكس ذلك تماما، حيث لم يطلب إنجاز هذه “الدراسة” إلا بعد قطع معظم الأشواط في الحفر والردم والاجتثاث، كما لم يظهر بيان هذه الدراسة البَعدية إلا بعد الانتهاء من شق الطريق من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوصول .. وبالتالي، جاءت مضامين الدراسة المعنية فقط لتبرير ما أنجز، وكأن مضامينها حُررت تحت الطلب، على مقاس ما رُصد إنجازه خارج أي دراسة أو حكامة أو استشارة قبلية، في تواطؤ مفضوح مع حاملي ومدبري المشروع الذي تفوح منه رائحة صفقة ما، يتعين على ذوي الاختصاص استكناه فحواها والكشف عن مسوغاتها وأبعادها ومن المستفيد منها في صيغتها “الارتجالية”
إن الجهة التي طلبت الدراسة هي الشركة التي رست عليها الصفقة، والتي قامت بإنجاز الجزء الكبير من الأشغال .. ولذلك، جاءت الدراسة ليبرر بها المقاول والجماعة وبقية المتدخلين ما أنجز بشكل عشوائي وغير قانوني، وبدون أي دراسة، خارج الحكامة التي طالما نادت أطراف عديدة بالتقيد بها
لم يتوصل أعضاء اللجنة بالدراسة المنجزة، كما تنص على ذلك المادة 19 من المرسوم رقم 563-04-2 الصادر في 5 ذي القعدة 4) 1429 نوفمبر2008 (المتعلق باختصاصات وسير اللجنة الوطنية واللجان الجهوية لدراسات التأثير على البيئة) ج.ر. عدد 5682 بتاريخ 13 نوفمبر (2008 ، بل اطلعوا عليها خلال الاجتماع ولم تتبع المساطر القانونية، إذ خرقتها في كل مراحلها بشكل سافر
كما أن الحضور لم يكن قانونيا ومكتملا حسب ما تنص عليه المادة 14 من المرسوم أعلاه
إنها دراسة لا جدوى منها، حيث جاءت مليئة بالأخطاء والمغالطات، وتعكس افتقارا للخبرة والكفاءات المطلوبة، وصبت بياناتها في تبرير واقع غير قانوني بإجراءات تم فيها خرق القانون، سواء من حيث القائم بها أو من حيث مسطرة دراستها والموافقة عليها
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من يحمي كل هذا العبث والاستهتار بالقانون ..؟
نعود إلى جدول أعمال الدورة العادية الثالثة لشهر أكتوبر 2020، المبرمجة بتاريخ 6 اكتوبر 2020، والذي تم نشره في مواقع ومجموعات التواصل الاجتماعي، حيث يتبين في جدول أعمال هذه الدورة أن الكل مستمر في المسلسل الاستحماري، الذي لا تنتهي حلقاته، والدليل على ذلك النقط التالية المدرجة فيه:
* إحداث قرار بشق طريق الجرف الطريق السياحية
* المصادقة على اتفاقية ما بين الجماعة وجهة الشرق في شأن الطريق السياحية
فإذا كانت الإدارة ملزمة لتكون تصرفاتها وأعمالها مطابقة للقانون، فمن غريب الصدف أن جماعة فجيج ومن معها غير معنيين بذلك، حسب ما يستشف من مواكبتهم لمشروع كله خروقات
جاء في الخطاب السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره اللـه، يوم الجمعة 14 أكتوبر 2016، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة ما يلي:
” فالعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب
إن نزع الملكية، يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه
فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها. “
انتهى كلام صاحب الجلالة
كما أن الفصل 35 من الدستور الذي بموجبه يضمن وبقوة القانون حق الملكية .. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات و وفق الإجراءات التي ينص عليها القانون
ما تم ويتم بفجيج كان في غياب تام لاحترام للمقتضيات التشريعية والتنظيمية المؤطرة لعملية نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، مما عرض الأفراد لأضرار جسيمة لا يمكن وصفه إلا بكونه مناف لقيم العدالة والإنصاف
إن المنفعة العامة تقتضي صدور إعلانها بمقرر إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها، وأنه في حالة إذا لم يقع احترام الإجراءات التي نص عليها القانون بهذا الخصوص، فإن تصرف الإدارة باحتلال ملك الغير يعتبر اعتداء ماديا وضربا وخرقا سافرا لمبدأ المشروعية القاضي باحترام قدسية الملكية الفردية واحترامها، وفي غياب ذلك، فإن أي تصرف للإدارة نازعة الملكية يعد تصرفا منعدم الأساس.
إن طريق الجرف المسماة “الطريق السياحية” المبرمجة دراسة إحداثها في دورة 06 أكتوبر2020، قد بوشرت أشغالها منذ بداية شهر يونيو 2020، فوق ممتلكات الخواص بدون أي قرار، وبدون إجراءات قانونية، ولم يتبع مسطرة قرارات تخطيط الطرق غير المنصوص عليها في وثيقة تعميرية، بل أنجزت في شريط صنفه تصميم التهيئة الساري المفعول ضمن المناطق ممنوعة البناء، وبالخصوص:
• آراء الإدارات المعنية
• البحث العلني
• نشر قرار تخطيط حدود الطريق
إذن، ما جدوى اتخاذ قرار في مشروع أنجز وأوشك على الانتهاء ..؟
كل هذا والاتفاقية بين جماعة فجيج ومجلس الجهة لم تعرض بعد على أنظار المجلس الجماعي
إن هذا الجانب يسائل الأجهزة المكلفة بمراقبة الحكامة داخل الجماعات وضمان كون تصرفاتها وأعمالها مطابقة للقانون
عن فعاليات المجتمع المدني من فجيج