البراق شادي عبد السلام
نجاح مشروع التمديد الرباعي في حزب التقدم و الإشتراكية الذي تمثل في إعادة إنتخاب الأمين العام المحترم لولاية رابعة كمرشح وحيد و أوحد من اللجنة المركزية بنسبة مئوية بعثية و عبثية و ستالينية رغم معارضة قطاعات واسعة داخل و خارج الحزب لهذا القرار بإعتباره خطوة إلى الوراء لا تتناسب والمرجعية الديمقراطية للحزب و تناقض روح الفكر الحداثي و الديمقراطي الذي كان الحزب في طليعة المدافعين عنها في المجتمع المغربي لأكثر من نصف قرن خاض لأجل تنزيلها على أرض الواقع الكثير من المعارك السياسية قدم فيها الكثير من التضحيات في سبيل إرساء قواعد “منهجية ديمقراطية ” تلتزم بها جميع فئات المجتمع و الجماهير الشعبية في إطار الإلتزام الدائم بالثوابت الوطنية و القيم الكونية لحقوق الإنسان .
من الناحية الإجرائية كما يبدوا أن إنتخاب السيد نبيل بنعبد الله لولاية رابعة هو سليم و قانوني ، لكن من الناحية الفلسفية الحزبية النضالية في القرن 21 و في ظل إنهيار المنظومة الستالينية و الأنظمة الشمولية و الأحزاب و التنظيمات في غير مقبول و لا يعبر على التوجه السياسي العام الذي تعيشه بلدنا .
هذا التمديد لولاية رابعة للسيد الامين العام المحترم بعد هزيمة مدوية لقائمته في إنتخابات 8 شتنبر 2021 يعيد سؤال الفعل الديمقراطي الداخلي و الديمقراطية التشاركية و التداول السلمي للقيادة و يطرح إشكال الحكامة داخل الأحزاب و الجمعيات و منظمات مجتمع المدني بصفة عامة و مدى إحترام هذه الأخيرة لمفهوم ” ديمقراطية تشاركية ” تناضل من أجل إرساء أسس مجتمع ديمقراطي حداثي تعددي متشبع بقيم تامغرابيت الجامعة .
و هذا يجعلنا نطرح السؤال الأهم ،ما هو الإطار المفاهيمي للديمقراطية داخل الأحزاب و تنظيمات المجتمع المدني ؟
هل هي ” الديمقراطية الإجرائية ” التي ترتكز على رزمة من الإجراءات مثل السماح بالتعددية داخل التنظيم و إنتخابات تحكمها الشفافية التي تسمح بتجديد النخب و فق ضوابط و قواعد.
أم هي ” الديمقراطية القيمية” التي ترتبط بمنظومة من القيم ببعد أيديولوجي وبتعبيرات مرتبطة بالقبيلة و الإنتماء و الأقدمية و المحسوبية و الزبونية المفضية لمنطق الميليشات الموالية
” للزعيم الضرورة ” تتحول معها مؤسسات التنظيم لمجموعة من التوابع تتمحور حول شخص القائد One Man — Organization لديه أجهزة تنظيمية و أمانة عامة أو مكتب سياسي/ إداري على حسب مقاس الزعيم بشخصيات تفتقد للكاريزما و على إستعداد لتوقيع شيكات سياسية على بياض من أجل نيل رضى” الزعيم المبجل ” وتحقيق مكاسب خبزية و إنتخابوية ضيقة كالتزكيات و السفريات المغلفة في إطار المهام الحزبية أو الجمعوية وتنظيمات موازية مفصلة حسب الطلب تتلقى تمويلات سخية من القيادة طالما تطبل لمشروع الزعيم و جماعته في التمديد أو التوريث مما يجعلها تستميت في الدفاع عن فكرة التشبّث بالقيادات التاريخية الفاقدة لكل شرعية والزعامات الفذة الغير قادرة على فهم ضرورات المرحلة .
هذا العبث التنظيمي و السياسي يخلق نوعا من التفاوض حول قيمة الديمقراطية والمساواة إذ تحضر بقوّة على مستوى الخطاب و القوانين و اللوائح ، إلا أنّها غير مستساغة على مستوى التطبيق والتفعيل و التنزيل .
والغريب في هذا أنها تسمي نفسها تنظيمات للمجتمع المدني و تطالب فيما تطالب بالديمقراطية و المساواة و تكافؤ الفرص في حين تشهد عمليات إجتثاث ممنهجة و إقصاء نوعي في عملية إبعاد للتيارات المفتوحة الإستقطاب الحاملة لفكرة ” التطوعية غير الربحية ” بروح تضامنية و بأبعاد سياسية أو ثقافية أو تنموية يصعب بيعها وشراؤها أو تحويلها إلى مروج للمهيمن من الخارج أو مهرج لدكتاتورية الزعيم المبجل في الداخل.
والنتيجة أن هذه المنظمات في تدبيرها اليومي لشؤونها ، تحمل معها كل العاهات التي يفترض في المجتمع المدني النضال للتخلص منها كغياب الشفافية النضالية و الحكامة المالية وغياب العلاقات الديمقراطية الداخلية وضحالة الفكر النقدي وقلة المبادرات و التسيير العشوائي و التدبير المزاجي وخضوع النشاط اليومي لأجندة غير منتجة مجتمعيا، أي مفروضة إما من المؤسسات الممولة أو من أيديولوجية مسبقة لا تلبي بالضرورة طموحات وإحتياجات الجماهير .
يمكن القول بأنّ تنظيمات المجتمع المدني قد إستطاعت أن تستجيب لمقتضيات التغيير الاجتماعي و السياسي من خلال هياكلها التنظيمية وقوانينها الأساسية، غير أنّها لم تصل بعد إلى المرحلة التي تتمكن فيها من تغيير منظومتها القيمية التي مازالت أقرب لمنطق إشتغال العائلة أو القبيلة أو الشركة العائلية أو الفيرمة كباقي التنظيمات التقليدية. فكلما تعلّق الأمر بتشبيب القيادات ومراكز إتخاذ القرار لتظهر مجموعة من ميكانيزمات مقاومة التغيير، و تلتجأ مراكز القوى داخل هذه التنظيمات لمنطق الكولسةو الحرب الإعلامية اللاأخلاقية و التشكيك في القيم الكبرى المشتركة و مبدأ المؤامرة على الزعيم و إستهداف التنظيم و محاولة تحريف المرجعية الإيديولوجية و العديد من الكليشيهات الجاهزة العابرة للتنظيمات و الحدود و الأزمنة .
منظمات المجتمع المدني كان من الممكن أن تحقق الكثير من الإنجازات المهمة والمفصلية في البناء الديمقراطي، وتكون ممارستها اليومية للفعل النضالي بداية الطريق لترسيخ القيم الديمقراطية ومبادئ الحكم الرشيد.
هذه المنظمات عليها تقييم نفسها ذاتيا، لترتيب أولوياتها بين فترة وأخرى وتطوير أدواتها وأساليبها وتنمية قدراتها و الوعي بأن النظام الديمقراطي و التداول السلمي للقيادة هو خيارها الإستراتيجي الوحيد، فهو ضمانة حقيقية واقعية وعملية للمساعدة على لعب دورها كاملا في سبيل تحقيق التنمية المستدامة في ظل سيادة القانون،وإنفاذه والمساواة وإحترام حقوق الإنسان .
الولاية الرابعة في حزب حداثي ديمقراطي عريق كحزب التقدم و الإشتراكية و قبلها ولاية ثالثة في حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية و بعدها ستكون ولاية ثالثة في الحزب الإشتراكي الموحد هي إنتكاسة للديمقراطية و جرس إنذار لرأس جبل جليد تراجع القيم الديمقراطية بكل أشكالها داخل تنظيمات المجتمع المدني و بالتالي أصبح المشرع أمام خيار إستراتيجي هو تعديل القوانين الناظمة مما يجعلها الضامن لديمقراطية حقيقة داخل هذه التنظيمات في غياب إرادة حقيقية من ( الفاعل الجمعوي و المدني) الذي تحول لمجرد كائن إنتخابي بفكر بئيس يؤثث المشهد و يعبد الطريق الإنتخابي لأوليغارشية فوضوية بثوب ديمقراطي .
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الملاحظ جورنال و إنما تعبر عن رأي صاحبها.