يشكل مشروع تمديد خط القطار فائق السرعة “البراق” من طنجة إلى أكادير أكثر من مجرد خطوة في طريق التحديث؛ إنه وعود بمستقبل يتناغم فيه التقدم التقني مع آمال مغربية عميقة في بناء شبكة نقل متطورة تربط أقصى الشمال بأقصى الجنوب.
ويعيد هذا المشروع الذي يلتف حول خيوط الزمن والمكان، رسم الخارطة اللوجستية للمملكة، ليحول المسافات التي كانت في الماضي تقاس بالساعات إلى مسافات تُقاس باللحظات.
تمتد سكة “البراق” على 240 كيلومترًا، من طنجة، التي تجسد الشريان البحري للمغرب، وصولاً إلى أكادير، المدينة التي تمثل بوابة الجنوب.
ومع استثمار يقدر بحوالي 50 مليار درهم، يضع هذا المشروع المغرب في قلب التحديث السككي العالمي، ويحوّل الفكرة المجردة عن “السرعة” إلى واقع ملموس. إذ ستقلص القطارات الفائقة السرعة التي تصل سرعتها إلى 320 كيلومترًا في الساعة، مدة الرحلة بين طنجة وأكادير من سبع ساعات إلى أقل من اربع ساعات، لتصبح تلك المسافة التي كانت يومًا تشق طريقها عبر الطرق المزدحمة، أقرب من أي وقت مضى.
لكن هذا المشروع ليس مجرد تغيير في جغرافيا الزمن. إنه تحول في المعايير التقنية التي ستقود قطارات “البراق” إلى المستقبل. فباستخدام أحدث تقنيات الإشارات والاتصالات، سيجعل هذا الخط السككي من التنقل تجربة لا تشبه أي شيء سبق.
وستُزوّد القطارات بنظام متكامل يضمن راحة المسافرين وأمانهم، حيث ستكون كل رحلة رحلة إلى المستقبل، تسرع في نبضها كما يسرع العالم من حولها.
ويُتوقع للمشروع أن ينعكس على الاقتصاد الوطني بشكل غير مسبوق. فإلى جانب تعزيز الربط بين طنجة وأكادير، ستشكل سكة “البراق” محورًا لانتعاش حركة التجارة بين مدن الشمال والجنوب، ويُنتظر أن يخلق نحو 10,000 فرصة شغل مباشرة وغير مباشرة. وسيكون لهذا التأثير الاقتصادي فوائد متداخلة، حيث ستساهم المدينة الساحلية أكادير، التي ستحظى بالربط المباشر مع طنجة، في تعزيز مكانتها كمركز سياحي وتجاري إقليمي.
وإذا كان الحديث عن البنية التحتية يفرض دائمًا أرقامًا، فإن هذا المشروع يتناغم مع أرقام المغرب الطموحة، من قبيل توفير الطاقة الكهربائية بنسبة 90% من مصادر متجددة، وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يجعل منه أيضًا مشروعًا يضع المغرب في صدارة الدول التي تحتفي بالاستدامة.
ولا يعد مشروع “البراق” بين طنجة وأكادير بتحقيق السرعة فحسب، بل بإعادة تشكيل مفهوم الزمن والمسافة في المملكة. هو رمز لمستقبل لا يعرف حدودًا بين الشمال والجنوب، حيث تصبح المملكة أكثر ترابطًا، وأكثر قربًا، وأسرع في كل شيء.