فوضى التصوير في الفضاء العمومي… حين يتجاوز المواطن غير الصحفي حدود المهنة والمسؤولية
تحوّلت الهواتف الذكية إلى أداة بيد كل من هبّ ودبّ لتوثيق كل صغيرة وكبيرة تدور في الفضاء العمومي، بدءًا من الحوادث والطوارئ، وصولاً إلى الاجتماعات الرسمية والوقفات الاحتجاجية. وبينما كان التصوير لسنوات حكراً على الصحفيين المهنيين ومراسلي وسائل الإعلام، أصبح اليوم متاحاً لأي فرد، دون تأهيل أو إدراك قانوني، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول غياب ضوابط واضحة تنظم هذا الفعل.
في الاجتماعات الرسمية، لم تعد السرية أو الطابع الداخلي لبعض الجلسات مضموناً، بعدما بات بعض الحاضرين يتعمدون تصوير وقائعها ونشرها عبر مواقع التواصل، أحياناً في سياق تحريضي أو اجتزائي. هذا الخرق السافر لأخلاقيات العمل المؤسساتي يُفقد الاجتماعات الرسمية طابعها الجدي، ويجعل مسؤوليها عرضة للتأويلات والتشهير.
أما الوقفات الاحتجاجية، التي يفترض أن تُؤطَّر في سياق قانوني واضح يحفظ سلميتها ورسائلها الاجتماعية والسياسية، فقد باتت هي الأخرى مسرحاً لعدسات المواطنين المتطفلين، الذين ينشرون صور المشاركين دون إذن، مما يُعرّضهم أحياناً للمساءلة أو التشهير، ويُخضعهم لأحكام الرأي العام دون مراعاة للسياقات الشخصية أو المهنية للمحتجين.
ويُجمع مهنيون في مجال الإعلام والقانون أن هذا التوسع في التصوير من طرف غير المهنيين، دون التزام بأي ميثاق أخلاقي أو قانوني، يُعد تجاوزاً خطيراً لمسؤولية النشر، ويضع السلطات أمام تحدي ضبط الفضاء الرقمي والواقعي في آن واحد.
كما أن تصوير الاجتماعات أو الوقفات، دون ترخيص أو احترام لضوابط الخصوصية، يُشكل خرقاً للقانون المنظم للحق في الصورة والحياة الخاصة، ويستوجب بحسب بعض المختصين تدخلًا تشريعياً واضحًا يحدد من يحق له التصوير، ومتى، وفي أي ظروف.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في التعاطي مع ظاهرة “المواطن الصحفي” حين يتجاوز دوره كناقل للمعلومة إلى ناشر للفوضى أو منتهك للخصوصية، سواء عن قصد أو جهل. فحرية التعبير لا تعني إطلاقاً انتهاك الحق في الصورة أو خرق سرية الاجتماعات أو تهديد سلمية الاحتجاجات.
إننا أمام لحظة قانونية حاسمة، تتطلب مأسسة واضحة لمسألة التصوير في الفضاء العمومي، تُعيد الاعتبار لمهنة الصحافة وتحمي الفضاء العام من العبث والتأويلات المغرضة.