خبر محزن وفاة كلمة “عيب”… صمتٌ تربوي أمام انفلات أخلاقي متسارع
في زمن مضى، لم تكن الأسرة تحتاج إلى كثير من الشرح أو العقاب لردع السلوكيات المنحرفة. كانت كلمة واحدة تختصر التربية والتوجيه: عيب. كانت هذه الكلمة البسيطة بمثابة جدار أخلاقي يُهذب التصرفات، ويزرع في النفس رادعاً ذاتياً يمنع الانزلاق قبل أن تتدخل أي سلطة أو مؤسسة.
اليوم، يلاحظ المهتمون بالشأن التربوي والاجتماعي تراجعاً مهولاً في حضور هذه الكلمة داخل البيوت والمدارس والشارع. ليس فقط من حيث النطق، بل من حيث التأثير والمفعول. لم تعد كلمة “عيب” تخيف أو تُحرج، بل أصبحت – في كثير من السياقات – مادة للسخرية أو عنوانًا للتخلف، كما يُروَّج في بعض منصات التواصل الاجتماعي.
من رادع أخلاقي إلى مصطلح منسي
يرى العديد من المختصين أن تراجع “عيب” كمفهوم وممارسة يعود إلى أسباب متداخلة، من بينها التحولات السريعة في بنية الأسرة، وتراجع سلطة الآباء والأمهات، والانبهار بثقافة الاستهلاك والحرية الفردية كما تروج لها المنصات الرقمية. فالمجتمع الذي كان يُقوّم أفراده ببوصلة الحياء الجماعي، بات يتعامل مع القيم بنوع من التسيّب تحت ذريعة “حرية التعبير” و”الانفتاح”.
منصات التواصل الإجتماعي … منابر لتطبيع الوقاحة؟
ساهمت بعض البرامج والمسلسلات وحتى المحتويات الرقمية في إعادة صياغة مفهوم “الجرأة” بعيدًا عن الحياء والمسؤولية. تم تسويق الحديث بصوت عالٍ عن الأمور الخاصة، واللباس المثير، والتصرفات غير اللائقة، على أنها “تحرر من القيود”، فيما الحقيقة أنها اغتيال تدريجي لثقافة كانت تحمي المجتمع من الانزلاق والانفلات.
المدرسة والأسرة… غياب الانسجام في الضبط التربوي
بينما تتنصل الأسرة من مسؤولية التوجيه القيمي بحجة “ضغوط الحياة”، تعاني المدرسة من فراغ سلطة أخلاقية حقيقية، في ظل انشغالها بالبرامج والامتحانات. وهكذا، غابت كلمة “عيب” عن قاموس التربية، وحلّ محلها الصمت أو التجاهل، أو في أحسن الأحوال تبريرات تُساير الانفلات بدلاً من تقويمه.
نحو صحوة قيمية جديدة
ليس المطلوب اليوم العودة إلى منطق الزجر والتلقين، ولكن من الضروري إعادة الاعتبار لقيم الحياء، والاحترام، واللباقة. يمكن إعادة إحياء “عيب” كمفهوم تربوي، يندمج في المناهج التعليمية، وفي الحملات الإعلامية، وفي الخطاب الأسري، لكن بصيغة تراعي التحولات دون أن تُفرّط في الجوهر.
فالمجتمع الذي يفقد رادعه الأخلاقي الذاتي، يُصبح رهينة لقوانين الردع الخارجي، وما أحوجنا اليوم إلى بناء أجيال تعرف أن بعض السلوكيات ليست فقط “مخالفة للقانون”، بل ببساطة… عيب.