فاجعة الفنيدق… حين تتحوّل علامة مرورية إلى لغز يطال سلامة المواطنين ومسؤولية الإدارة
لم تكن فاجعة الفنيدق التي ذهب ضحيتها ستة أشخاص وأصيب فيها ستة آخرون بجروح متفاوتة مجرد حادث سير عابر، بل تحولت في ظرف ساعات إلى قضية رأي عام كشفت عمق الاختلالات التي تشوب تدبير السلامة الطرقية داخل المدينة. فقد أدى اصطدام شاحنة محملة بمواد البناء بمبنيين في شارع محمد الخامس إلى فاجعة إنسانية، لكن ما زاد من حدّة الغضب الشعبي هو ظهور صورة لعلامة مرورية تمنع مرور الشاحنات نُصبت مباشرة بعد الحادث، في الوقت الذي يؤكد فيه سكان المنطقة أنها كانت موجودة سابقاً ثم “اختفت” قبل وقوع الكارثة.
سكان الفنيدق شدّدوا على أن المحور المعني مكتظ بشكل يجعل السير فيه بسرعة تتجاوز 20 كيلومتراً في الساعة ضرباً من المجازفة، خاصة أن المدار الجديد أدى إلى خلق وضع مروري حساس يتطلب ضبطاً صارماً لحركة الشاحنات. غير أن السؤال الذي انفجر بقوة هو: من أمر بإزالة علامة منع مرور الشاحنات؟ ولماذا لم تُعد إلا بعد وقوع الفاجعة؟
من الناحية القانونية، تُعد إزالة علامة مرورية أو تغييرها دون قرار إداري معلّل خرقاً واضحاً لمبدأ الشرعية، وتتحول إلى تهديد مباشر لأرواح المواطنين عندما تكون مرتبطة بمحور حضري حيوي مثل ذلك الذي يربط حي الباطيو بشارع محمد الخامس.
المعطيات المتداولة تشير إلى أن اجتماعاً تقنياً عُقد قبل الحادث لدراسة وضع المجال الطرقي، وتم الاتفاق خلاله على إعادة نصب الإشارات التحذيرية ضماناً للسلامة العامة، غير أن القرار ظل حبيس الرفوف ولم يُنفّذ. هذا التراخي الإداري يطرح علامات استفهام كبرى حول المسؤولية المباشرة عن عدم تطبيق قرار يهدف أساساً إلى حماية الأرواح.
وما زاد من حساسية الموضوع هو إعادة تثبيت العلامة بعد وقوع الفاجعة مباشرة، وهو إجراء يُمكن أن يُفهم قانونياً على أنه محاولة قد تُغيّر من معطيات التحقيق أو تربك تحديد المسؤوليات، وهو ما اعتبره بعض الخبراء القانونيين مساساً بمبدأ نزاهة التحقيق وقد يرقى—وفق توصيفهم—إلى مستوى الفعل الجرمي إذا ثبت أنه تم بنية التأثير على مجرى البحث.
فاجعة الفنيدق لم تُظهر فقط هشاشة البنية الطرقية، بل كشفت خللاً مؤسسياً خطيراً كان ثمنه أرواح مواطنين أبرياء. واليوم، يقف الرأي العام أمام أسئلة كبيرة في انتظار أجوبة واضحة:
من يتحمل مسؤولية إزالة الإشارة؟ لماذا لم يُنفذ القرار بإعادة وضعها قبل وقوع الحادث؟ وكيف سيتم ضمان عدم تكرار هذا الإهمال الذي كلّف المدينة مأساة أخرى في سجل حوادثها؟
في انتظار نتائج التحقيق، يظل مطلب الساكنة واضحاً: محاسبة شفافة، وإصلاح جذري، وقبل كل شيء… احترام أرواح الناس.