عماد بنحيون
بقدر الشوق الذي انتظر به المغاربة الأحرار خطاب المسيرة الخضراء لملكهم يوم سادس نونبر الجاري من قلب الصحراء، بقدر الحسرة وخيبة الأمل التي أحس بها الأعداء بفقدانهم البيداء بعد مسيرة العز والنماء. وبقدر اللهفة التي يتوق بها الصحراويون والصحراويات إلى الزيارة الميمونة لملكهم، بقدر ما حاول المنتفعون والمنتفعات من الإعانات الدولية للمخيمات المنسية التشويش على الطلة البهية لملك الحرية لكن التاريخ سيحكم على من جعل أبناء الصحراء الأحرار متسولين للإعانات الإنسانية.
لكن الخطاب الذي قدمه ملك “فوق العادة” من مدينة العيون المغربية بتزامن مع مناسبة “فوق العادة” تخلد للذكرى الأربعين لحدث القرن، لا يمكنه أن يكون إلا كعادة خطابات جلالته،لاسيما، أنه يأتي مباشرة بعد الانتخابات الجهوية الأخيرة التي منحت رؤساء الجهات الإثنى عشرة الجديدة صلاحيات واسعة، ليعطي الانطلاقة للنموذج التنموي الجديد بالأقاليم الصحراوية، تصير به مركزا اقتصاديا يشكل صلة وصل بين المغرب والعمق الإفريقي، خطابا ألقاه جلالته يمثل مرحلة فاصلة في تاريخ استكمال الوحدة الترابية، واضعا فيه، بوضوح، لبنات بناء صرح مغرب جديد متجدد، قوي بملكه وشعبه وهويته ومؤسساته وهياكله وبنياته.وفي لتعهداته،يضع قطيعة حقيقية مع الأساليب المعتمدة في الصحراء من اقتصاد الريع والتمركز،ويضع سكان الأقاليم الجنوبية وممثليهم أمام مسؤوليتهم بعد توفير الشروط لمرحلة جديدة.
خلال زيارة استطاعت، لاريب،عبر الاستقبال الشعبي اللافت، أن تلفت انتباه المنتظم الدولي إلى مدى تعلق ساكنة أقاليم المغرب الصحراوية بأهذاب العرش العلوي المجيد وتاريخ المغرب التليد، كما إنها في الوقت ذاته رسالة للعالم للعمل على الضغط على الجزائر والبوليساريو لرفع اليد عن محتجزي المخيمات وفسح المجال للأمم المتحدة لإحصائهم، وتمتيعهم بحقهم في حرية التنقل وتأسيس الجمعيات وضمان العيش الكريم لهم وضمان حقهم في التعبير والتصريح للمنظمات الحقوقية، وكذا تخصيص أموال الإعانات لهم بدلا من مصادرتها وصرفها في المناورات السياسية والديبلوماسية وتكديس الحسابات الشخصية بها.
زيارة تجسد حرص جلالته على تنزيل الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الجديد على أرض الواقع باللأقاليم الصحراوية يوازيه إعطاء الانطلاقة لورش تنموي رائد ومشاريع استثمارية واستراتيجية، من قبيل تقوية الشبكة الطرقية وجعلها بالمواصفات الدولية و الربط السككي و تشييد الميناء الأطلسي الكبير للداخلة والمشروع الكبير لتحلية ماء البحر بالداخلة… إلى جانب النهوض بالمجال الاقتصادي والتنمية البشرية والاجتماعية ووضع إطار قانوني محفز للاستثمار الدولي والوطني بالمنطقة وخلق صنوق التنمية الاقتصادية و إيلاء الأهمية للحفاظ على الثراث الصحراوي والاعتناء به .
وانفتاح المغرب على العالم بفتح أبوابه لوسائل الإعلام بمختلف أطيافها لتغطية هذه الزيارة؛ رسالة “غير مشفرة” واضحة لكل من يسعى إلى الترويج للشعارات البالية المعادية للوحدة الترابية للأقاليم الجنوبية عبر اختلاق سيناريوهات مخدومة بأيادي مخابراتية معلومة، أو الاعتماد على تقارير منسوجة في مكاتب مكيفة لأشخاص أو منظمات تجهل تاريخ المغرب، استطاع المغرب التصدي لمناوراتها بفضل الحكامة الوطنية وانفتاحه على منظمات المجتمع المدني،وصيانته لكرامة أبنائه وتعميق حبهم لوطنهم والالتزام بمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية، في الوقت الذي يغض فيه الطرف أعداء الوطن عن ما يتعرض له من تنكيل وتعذيب وإبادة كل من سولت له نفسه بمخيمات العار محاولة الالتحاق بالمغرب أو التحدث عن الوحدة الوطنية مما يدعو إلى الاستغراب من الاهتمام الذي توليه هذه الجهات، على رأسها الجزائر، لحقوق الإنسان في الصحراء المغربية، بينما تظل وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، بالخصوص، مقلقة للغاية وفي الوقت الذي كان بإمكانها هي التي ترعى المخيمات على أراضيها وتنصب نفسها ولي أمرها،أن توفر على الأقل للصحراويين والصحراويات المحتجزين ظروف الكرامة والمواطنة الكاملة التي تتمثل على الأقل في تحسين الجزائر لأوضاع سكان تندوف الذين لا يتعدى عددهم 40000 نسمة يمكن أن يأويهم أقل من 6000 منزلا بمعدل 150 وحدة سكنية سنويا، وهو ما يمثل أصغر حي بعاصمتها، بدلا من رفع الشعارات وبيع الأوهام والتستر على زعماء الانفصال وتوفير الظروف لاغتنائهم الفاحش، وعدم الكشف عن المآل الحقيقي للمساعدات الإنسانية التي تتعدى ميزانيتها 60 مليون أورو سنويا بالإضافة إلى الملايير المخصصة للتسلح.
الآن أصبح المنتظم الدولي، أكثر من أي وقت مضى، مطالب بأن يرفع قبعته احتراما للمغرب، ودعم مقترحه للحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية في إطار السيادة الوطنية،باعتباره البلد الإفريقي الذي استطاع بفضل تاريخه وحنكة ملكه وحب شعبه لوطنه ويقضته، أن يجعل من الصحراء المغربية المنطقة الأكثر أمنا في منطقة الساحل، مما يجعل منها ومن المغرب ككل صمام آمان للمنطقة ولأوربا باعتباره بوابتها على إفريقيا ونقطة جلب من جنوب الصحراء، مع العلم أن قضية الصحراء ليس أول مشكل عرفه المغرب، الذي اعتاد على تجاوز الظروف الصعبة ويخرج منها قويا مرفوع الرأس.