عبد السلام الصديقي
إن المعطيات الصادرة عن بنك المغرب، بعد اجتماع مجلسه بتاريخ 22 مارس الماضي، تبين وضعية ماكرو-اقتصادية غير مطمئنة إطلاقا، على الأقل بالنسبة للسنة الجارية. وخلافا لما كان منتظرا، فإن معدل النمو حسب توقعات البنك المركزي، وعلى أساس محصول زراعي يقدر ب 25 مليون قنطار، سوف لن يتجاوز 0.7%. وهو معدل بعيد جدا عن الهدف المحدد في البرنامج الحكومي (4%) وعلى معدل 3,2% المتوقع في قانون المالية. كما أن المؤشرات الأخرى لا تدعو بدورها إلى الارتياح، إذ سيتعمق عجز الحساب الجاري إلى 5,5% من الانتاج الداخلي الخام، بعدما كان في حدود 2,6% سنة 2021. كما أن الواردات سترتفع بنسبة 14,9% بالنظر إلى ثقل الفاتورة الطاقية والزيادة في مشتريات المواد الفلاحية والغذائية ومواد الإستهلاك. بالمقابل ستتحسن الصادرات بنسبة 12,5%، ويرجع ذلك أساسا إلى الزيادة في مبيعات إنتاج السيارات وارتفاع مبيعات الفوسفاط ومشتقاته. والنتيجة الطبيعية لهذا التطور المتباين بين الصادرات والواردات، هي تفاقم العجز التجاري. أما إيرادات السياحة فلن تعرف إلا تحسنا محدودا حيث ستبلغ هذه السنة 47 مليار درهم، مقابل 34,3 مليار في السنة الماضية. ومن جهتها، وبعدما سجلت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج رقما قياسيا في السنة الماضية بمبلغ 93,3 مليار درهم، ستتراجع هذه السنة إلى ما دون 80 مليار درهم (79,3 مليار). وبخصوص الإستثمارات الخارجية المباشرة، فستقترب هذه السنة من 3% من الناتج الداخلي الخام. أما على مستوى احتياطاتنا الخارجية من العملة الصعبة فتبلغ 342,8 مليار درهم، وهو ما يضمن تغطية 6 أشهر و نصف من الواردات، وبذلك فهي لا تثير لحد الآن أية مخاوف.
بيد أن العنصر الذي يشكل مصدر انشغال حقيقي من هذه المؤشرات، يتجلى بكل تأكيد في القفزة التي تسجلها الزيادة في الأسعار. حيث سيبلغ معدل التضخم 4,7% بعدما كان هذا المعدل متواضعا ولم يتجاوز 1,4% سنة 2021. أجل يمكن أن نرد على هذه الملاحظة بكون المغرب ليس بالبلد الوحيد الذي يشهد مثل هذه الزيادة في الأسعار، حيث إن شركاءنا الأساسيين يسجلون معدلا أعلى من معدلنا. وعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة الأمريكية ستجل معدلا يقدر ب 7,2% سنة 2022، بعدما سجلت معدل 4,7% سنة 2021، ومنطقة الأورو بدورها، ستعرف معدلا يقدر ب 5,1 هذه السنة مقابل 2,6% في السنة الماضية.
وتعزى هذه الظاهرة التضخمية بالأساس إلى الزيادة في المواد الطاقية والمواد الغذائية. إلا أن هذا الإتجاه كان بينا قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتي عملت على تعميقه. وإذا كان بنك المغرب يراهن على العودة إلى الحالة الطبيعية ابتداء من سنة 2023، فإن ذلك يبقى رهينا بالمآل الذي ستعرفه هذه الحرب و تداعياتها الجيواسترتيجية على باقي العالم.
يلاحظ أن بعض المحللين يقللون من تأثير الحرب على بلادنا، وذلك باعتمادهم تحليلا تبسيطيا وسطحيا يأخذ بعين الاعتبار المكانة المحدودة للبلدين (روسيا أوكرانيا) في مبادلاتنا الخارجية. حيث خلال فترة 2016-2020، مثلت وارداتنا من روسيا 3% من مجموع الواردات، كما مثلت النسبة التي تعود لأوكرانيا 0,9% فقط من المجموع، علما أن في الحالتين معا، تعتبر مبيعاتنا متواضعة وقليلة التنوع. إلا أن هذا الطرح يغض الطرف على باقي التداخلات والعلاقات ما بين القطاعية وما بين البلدان. فمثلا، يمكن لبلد أن يشتري من روسيا سلعة معينة، ويقوم ببيعها بعد تحويلها إلى بلد آخر، وبإمكان هذا الأخير أن يقوم بنفس العملية وهكذا دواليك. وهو ما يغذي الدورة النضخمية دون أن ننسى بعض السلوكات المضاربية حول السلع، والتي تزيد الوضعية تفاقما.
وهكذا تصاب البورصات العالمية بالجنون إن صح التعبير، والتغير المتوالي في الإعلانات عن الأسعار لن يزيد إلا في صب الزيت على نار التضخم، والهلع يصبح سيد الموقف. فعلى سبيل المثال، بعدما كان طن واحد من القمح يباع ب 230 أورو قبل الحرب، تجاوز اليوم 400 أورو. بالنسبة لنوار الشمس، فقد تضاعف سعره خلال أسابيع محدودة منتقلا من 1500 دولار إلى 3000 دولار للطن الواحد. وفي ذات الوقت، ارتفع سعر البرميل من النفط في السوق العالمية بشكل لم يسبق له مثيل ليتجاوز عتبة 100 دولار، بل وصل أحيانا 130 دولار. ولا شيء يدل على العودة إلى الوضعية العادية خلال القادم من الأيام.
وفي مثل هذه الظروف، يمكن للعالم أن يعاني من سوء التغذية، بل من المجاعة بالنسبة لبعض البلدان النامية التي تعاني من التبعية المفرطة تجاه الخارج. وهو ما دفع منظمة الفاو (FAO) إلى دق ناقوس الخطر. فحينما نعلم أن روسيا و أوكرانيا تحقق لوحدهما ثلث الصادرات الدولية من القمح، وتشكلان سوقا لا محيد عنها في مواد الذرة و الشعير و نوار الشمس أو الكولزا (colza)، وأن محصول أوكرانيا هذه السنة سيغطي بالكاد حاجياتها الداخلية، ندرك فعلا صعوبة الأوضاع بالنسبة لبلدان الجنوب. وهكذا نجد ما يقرب من 50 دولة مرتبطة بأزيد من 30% بأوكرانيا و روسيا بخصوص وارداتها من القمح، و26% من هذه البلدان تستورد ما يزيد عن نصف حاجياتها من هذين البلدين. ونرى اليوم ماذا يجري في تونس حيث يعاني السكان الأمرين لاقتناء خبزة واحدة. كما لاحظنا كيف دخل الجزائريون في طوابير طويلة للحصول على مادة الحليب. كان حريا بالرئيس الجزائري، خلال محادثاته الأخيرة مع الرئيس الأمريكي، أن يتناول هذه القضايا بدل التهجم على بلدنا باستعمال كلام فضفاض وغير مفيد يعود للحرب الباردة!
ينبغي التوضيح، أن المأساة لا تهم فقط الآخر، والمصيبة لا تأتي بمفردها كما يقال. فبلادنا تعيش بدورها فترة صعبة للغاية، توالت وتزامنت خلالها تداعيات الجائحة والجفاف والحرب ضد أوكرانيا. ومواجهة هذه التداعيات، يتطلب كثيرا من الذكاء والجرأة. والحكومة تواجه امتحانا عسيرا، لأن الرأي العام يترقب الإجراءات التي ستقدم عليها الحكومة لتدبير مختلف هذه المشاكل، قبل أن يحكم على مدى التزامها ونجاعة تدخلاتها.
ومن وجهة نظرنا، نعتقد أن أقل شيء يجب القيام به هو التواصل من أجل التحسيس وطمأنة كل الذين يعانون في صمت ومن اللامبالاة. وهذا التواصل الضروري والمستعجل، يجب أن تتبعه إجراءات ملموسة وفورية تهم التدابير الواجب اتخاذها للتحكم ولو جزئيا في الزيادة المهولة في الأسعار، وضبط أسعار المحروقات التي تنعكس على مجموع السلع والخدمات. وتهم كذلك دعم القطاعات المنتجة المتضررة من الأزمة، وحماية القدرة الشرائية لأوسع الجماهير الشعبية، وضمان شغل قار و لائق لمئات الآلاف من الشباب والكهول الموجودين بدون أي مصدر للعيش.
و لنقلها بكل مسؤولية، الأوضاع خطيرة، وعلينا أن نعمل كل شيء لمنع تفجيرها. فبلادنا لها من المؤهلات ومن الإمكانيات ما يسمح لها بالتدخل. علينا أن نوظفها على أحسن وجه. و لأولئك الذين طالما استفادوا من السنوات “المثمرة” في الماضي، و راكموا ثروات خيالية، وفي كثير من الأحيان، بطرق غير مشروعة و خارج القانون (الإثراء غير المشروع)، نقول لهم، حان الوقت للمرور إلى صندوق الأداء. لا ينبغي أن ننسى ذلك الدرس البليغ الذي علمه لنا التاريخ القديم و الحديث: “فمن يريد الإستحواذ على كل شيء، سينتهي به الأمر إلى خسارة كل شيء”.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الملاخظ جورنال و إنما تعبر عن رأي صاحبها.