لقد أصبح اعتقال المنافسين السياسيين والزج بهم في السجون دون محاكمة عادلة أو حتى تهمة حقيقية من الممارسات المعتادة للنظام، وذلك بهدف ضمان استمراره في السيطرة المطلقة على السلطة، دون أي اعتبار للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتأتي فضيحة تعيين وزير الداخلية الجديد كدليل آخر على العبث والفساد المستشري في النظام، حيث يتم تعيين مسؤولين غير مؤهلين في مناصب حساسة، مما يظهر عمق الجهل والجاهلية التي يعيش فيها “كابرانات الجزائر”، الذين يتشبثون بالسلطة كالعجائز المتشبثين بأطلال حرب قديمة، غير مدركين للخراب الذي يلحقونه بالوطن ومستقبله.
وقد امتد هذا العبث ليطال الساحة الدولية، حيث أصبحت الجزائر دولة معزولة على الصعيد الخارجي، خاصة بعد اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، وهو اعتراف مثّل صفعة قوية للنظام الجزائري وكشف عن فشله الدبلوماسي الذريع. فقد كانت فرنسا من أقوى حلفاء الجزائر التقليديين، لكنها قررت الانحياز إلى الحقيقة التاريخية، مما زاد من عزلة النظام وأظهر هشاشة موقفه على الصعيد الدولي.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد بات النظام الجزائري يفقد حلفاءه التقليديين الواحد تلو الآخر، ومن بينهم روسيا، التي كانت حليفا قويا له. فما حدث في الأمم المتحدة من هجوم غير مسؤول ووقح على روسيا من قبل توفيق كودري، المنسق السياسي للبعثة الدائمة للجزائر بنيويورك، يعكس التخبط الذي وصلت إليه الدبلوماسية الجزائرية. فقد استغل كودري الحملة الدولية ضد الملاكمة إيمان خليف، ليهاجم روسيا بشكل غير لائق، متهما إياها بخلط السياسة بالرياضة، في خرجة تفتقد للحنكة الديبلوماسية.
هذا الهجوم الأرعن وغير المبرر من قبل منسق الجزائر في نيويورك سيكلف النظام الجزائري ثمنا باهظا، إذ سيعمق من عزلته ويؤثر سلبا على علاقته بروسيا، الدولة ذات النفوذ الواسع في السياسة الدولية والعضو الدائم بمجلس الأمن. فروسيا، التي طالما وقفت إلى جانب الجزائر رغم الأخطاء المتكررة والنهج العدائي الذي يتبناه النظام تجاه موسكو، أبدت صبرا لافتا، لكن يبدو أن هذا الصبر قد نفد بعد أن أبدى النظام استهتارا بالعلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين.
وتأتي تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن رفض انضمام الجزائر إلى تجمع بريكس كتأكيد على أن الانضمام يتطلب توافر معايير اقتصادية وسياسية لا يمتلكها النظام الجزائري، الذي بات يفتقر إلى مقومات الانضمام لمثل هذه التحالفات الدولية الهامة
وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم الخارجي على عزلة النظام الجزائري، يواصل العسكر قمعهم الداخلي بقبضة من حديد. فقد تم إقالة محمد النذير بوقابس، المدير العام للتلفزيون الجزائري، في خطوة مفاجئة ودون إبداء أي أسباب واضحة، وتم تعيين عادل سلاقجي بديلا له. هذه الإقالة جاءت كتعبير صريح عن الفوضى الإدارية التي يعاني منها النظام، حيث تتخذ القرارات المصيرية بشكل اعتباطي، مما يثير الريبة والشكوك بين الجزائريين.
ولم يحاول الإعلام الجزائري، الذي لطالما كان أداة بيد النظام، إلا التعتيم على هذا الإجراء التعسفي، بالتركيز على سيرة المدير الجديد وتجاهل مصير المدير المقال. لكن الشارع الجزائري لم يقتنع بهذا السرد الإعلامي المضلل، وبدأ المواطنون في طرح فرضياتهم حول الأسباب الحقيقية وراء هذه التغييرات الإدارية المشبوهة.
إن النظام الجزائري اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث بات واضحا أن قادته عاجزون عن اتخاذ قرارات تصب في مصلحة الوطن، بل يسيرون بالبلاد نحو مزيد من التراجع والانحسار. ويبدو أن رئيس الأركان سعيد شنقريحة بدأ في تنفيذ عملية تطهير واسعة في صفوف مدراء المؤسسات لضمان سيطرة العسكر الكاملة، وهي خطوة تعكس مدى الخوف والقلق من فقدان الهيمنة المطلقة، وتُبرز الانقسامات العميقة داخل هرم السلطة.
وفي ظل هذه الفوضى العارمة، يعيش النظام أيامه الأخيرة محاصرا بانتفاضات شعبية داخلية تزداد اشتعالا يوما بعد يوم، وعزلة دولية خانقة لم يعد بالإمكان التغاضي عنها. ففي ظل هذا الوضع المتردي، فإن النظام العسكري الجزائري مهدد بالانهيار في أي لحظة، مما يضع البلاد على حافة هاوية لا تحمد عقباها.