الفساد في المغرب: الأحزاب بين الشعارات والإصلاحات المفقودة
تظل مكافحة الفساد في المغرب موضوعًا يثير جدلًا واسعًا، حيث يعتقد البعض أن المجتمع بدأ يتأقلم مع هذه الظاهرة ويعتبرها جزءًا من الواقع، بينما يرى آخرون أن محاربة الفساد تُستغل كشعار انتخابي لا يتجاوز الطموحات السياسية الضيقة. ويعزو الخبراء الفساد في المغرب إلى كونه ظاهرة بنيوية، حيث تستخدم كأداة لضبط المجتمع وترسيخ السلطة، ويؤكدون أن غياب الديمقراطية الحقيقية وضعف آليات المحاسبة يساعدان على انتشار الفساد وتكريس مصالح النخب القوية على حساب التطور والإصلاح. وتشير بعض الآراء إلى أن بعض الأحزاب السياسية تستفيد من هذا الوضع، مما يجعلها غير جادة في مكافحته رغم تقديمه كأحد أبرز شعاراتها الانتخابية.
من ناحية أخرى، يشير المختصون إلى أن الفساد في المغرب ليس مجرد مشكلة عرضية، بل هو جزء من البنية الاقتصادية والاجتماعية التي تمتد لعدة عقود. ورغم بعض الجهود التشريعية والمدنية لمكافحة الفساد، فإن المغرب يتراجع في مؤشرات الشفافية الدولية، ما يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحته. هذه الظاهرة تمس عدة قطاعات حيوية، حيث يعزز غياب القوانين الفعالة وغياب تطبيقها من انتشار الفساد بشكل أكبر، مما يساهم في تقوية القوى المسيطرة والنخب النافذة.
في الوقت الذي تتبنى بعض الأحزاب شعارات مكافحة الفساد خلال حملاتها الانتخابية، يلاحظ كثيرون أن هذه الشعارات غالبًا ما تتحول إلى إجراءات شكلية بعد وصولها إلى السلطة. ويعود ذلك إلى مقاومة اللوبيات المستفيدة من الوضع القائم وغياب الإرادة السياسية الحقيقية، مما يجعل الفساد مستمرًا ومزمنًا. وتعتبر الأحزاب السياسية، وفقًا لبعض الخبراء، جزءًا من المشكلة، حيث تُستغل القوانين والممارسات السائدة لحماية مصالحها وحصانتها السياسية، مما يعيق أي جهود حقيقية نحو الإصلاح.
وفي الوقت نفسه، يرى بعض الخبراء أن الفساد في المغرب ليس شيئًا مقبولًا من قبل الجميع، بل يُنظر إليه كمشكلة كبرى تؤثر على استقرار البلاد. ويشيرون إلى أن هناك فئات من المجتمع تضطر للتعامل معه بسبب الظروف الصعبة، ولكن ذلك لا يعني أن المجتمع يقبل به. في هذا السياق، تُطرح الحاجة إلى إصلاحات جذرية على مستوى التربية المجتمعية وتعزيز ثقافة النزاهة، بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على التبليغ عن الفساد ودعم الجمعيات الحقوقية.
من جانبها، تروج الحكومة المغربية لاستراتيجيات وخطط واضحة لمكافحة الفساد، حيث تشير إلى أن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد (2016-2025) حققت تقدمًا ملموسًا في تحقيق أهدافها. وتؤكد الحكومة أنها اتخذت عدة إجراءات لتحسين الأداء الإداري، مثل إصدار ميثاق المرافق العمومية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وإصلاح نظام الصفقات العمومية، وتطوير التحول الرقمي الذي يعزز الشفافية في الخدمات العامة. لكن يبقى السؤال الأهم هو مدى فاعلية هذه الجهود على أرض الواقع، في ظل تحديات سياسية وإدارية قد تعرقل التطبيق الفعلي للإصلاحات.
إن مكافحة الفساد في المغرب تتطلب إرادة سياسية حقيقية وحلول عملية على جميع الأصعدة، سواء من خلال تنفيذ القوانين بفعالية أو من خلال تعزيز الشفافية في العمل الحكومي. ما لم يتحقق هذا التغيير الجذري، سيظل الفساد يشكل تهديدًا كبيرًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.