تقرير رسمي ينتقد تشتت التعليم العالي ويدعو إلى إصلاحات هيكلية عميقة
وجّه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في رأي حديث حول مشروع قانون التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، انتقادات واضحة للبنية الحالية لمنظومة التعليم العالي في المغرب، مشددًا على استمرار التشتت، وضعف التنسيق، وغياب التكامل بين التعليم العالي والتكوين المهني، بالإضافة إلى الفجوة القائمة بين القطاعين العام والخاص.
وأكد المجلس، خلال دورته الثامنة، أن المشروع المعروض عليه لا يرقى إلى مستوى إصلاح جذري، بل اكتفى بإعادة صياغة محدودة للقانون الجاري به العمل، مع إدخال أصناف جديدة من المؤسسات، مثل الجامعات الرقمية والمؤسسات الأجنبية، دون أن يُحدث تحوّلًا نوعيًا في النموذج المعتمد.
وشدد التقرير على أن استقلالية الجامعة على المستويات البيداغوجية والعلمية والإدارية يجب أن تكون ركيزة أساسية، داعيًا إلى اعتماد خارطة وطنية للتعليم العالي تقوم على رؤية موحدة لتجميع مكونات التعليم ما بعد البكالوريا، بما في ذلك الأقسام التحضيرية، وفق مخطط استشرافي متعدد السنوات.
مراجعة دور المؤسسات الخاصة والأجنبية
في ما يخص المؤسسات الخاصة والأجنبية، دعا المجلس إلى مراجعة المقتضيات القانونية التي تتيح لها فتح فروع بالمغرب، مع التشديد على ضرورة احترام الثوابت الدستورية والقيم الوطنية، وتوجيه برامجها نحو التخصصات ذات الأولوية. كما أوصى بضمان العدالة الاجتماعية داخل هذه المؤسسات من خلال تخصيص منح للطلبة المتميزين من أسر معوزة، وبتحديد دقيق لدورها ضمن منظومة منسجمة مع القطاع العام.
حكامة جديدة للجامعة
دعا التقرير إلى إحداث مجلس استراتيجي وطني يُعنى بشؤون الجامعة، يرأسه اسم وازن، ويعمل كقوة اقتراحية وتنسيقية. كما نادى بتحديد مدة رئاسة الجامعة في أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، مع اعتماد معايير الشفافية والاستحقاق والمناصفة في التعيين، وإحداث “منتدى رؤساء الجامعات” ليكون آلية استشارية للحكومة في قضايا الإصلاح والتطوير الجامعي.
تجاوز المقاربة التقليدية
على المستوى البيداغوجي، شدد التقرير على تجاوز النموذج القائم على التلقين والمعرفة المجزأة، داعيًا إلى تحديث طرق التدريس لتواكب تحولات سوق الشغل، الثورة الرقمية، والذكاء الاصطناعي، مع إدماج العلوم الإنسانية والرهانات الجهوية في التكوين.
كما أوصى بتفعيل مبدأ التناوب اللغوي، بإدراج لغة ثانية إلى جانب اللغة الأساسية في التدريس الجامعي، بما يتماشى مع مقتضيات القانون الإطار 51.17.
التقرير يعكس بوضوح رغبة المؤسسة الاستشارية في الدفع نحو إصلاح شامل وجريء لمنظومة التعليم العالي، يقطع مع المقاربات التقليدية، ويواكب متطلبات التنمية والعدالة المجالية والمعرفية في المغرب الحديث.