فوضى احتلال الملك العمومي.. من يتحمل مسؤولية “خنق” أرصفة البلاد؟
شرعت السلطات في عدد من مدن المملكة، منذ أشهر، في شن حملات لتحرير الملك العمومي، استعدادا لاحتضان المغرب لكأس العالم وكأس إفريقيا، وكشفت هذه الحملات عن ترامي الكثير من المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم وغيرها بشكل غير قانوني على مساحات كبيرة من الأرصفة.
وبلغت درجة الاحتلال غير القانوني للملك العمومي، في العديد من المدن مثل مراكش طنجة وسلا وغيرها، حد حيازة محلات تجارية ومنازل سكنية لأجزاء كبيرة من الأرصفة عن طريق حواجز حديدية أو زجاجية ثابثة، وفي بعض الأحيان يتم ذلك ببناء جدران إسمنتية.ورغم أن المغرب يتوفر منذ سنة 2021 على القانون رقم 57.19 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية، إلا أن فوضى الاحتلال غير القانوني للملك العمومي أصبحت مشكلا مزمنا في مدن عدة.
وفي الوقت الذي ينص فيه القانون على أن رئيس الجماعة هو المسؤول عن تنظيم الاحتلال المؤقت، فإن من باشر الحملات الأخيرة لتحرير الملك العمومي من الاحتلال غير القانوني هي سلطات وزارة الداخلية، وحتى هذه الأخيرة تقاعست عن ذلك لسنوات قبل أن تتحرك تحت تأثير ضغط المونديال.
فساد إداري
وفي هذا الصدد يرى أستاذ القانون العام العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية- جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، رشيد لبكر، أن هناك تقصيرا وإهمالا امتد لسنوات في محاربة الترامي على الملك العمومي، “بسبب غض الطرف أو التقاعس عن مرافبة المجال لاسباب مختلفة يطول شرحها، منها ما هو مرتبط بالعامل القانوني أو بالرهان الانتخابي أو بالفساد الإداري على إطلاق هذه الكلمة، التي لا تعدو أن تكون عنوانا لعناصر متعددة”.
وتابع الأستاذ الجامعي أنه تم التطبيع مع الظاهرة “وآخر ما أصبح يفكر فيه هو احترام القانون واتباع المساطر، مادام بالإمكان حرق كل المراحل باتباع طرق معروفة لدى الجميع، وفي آخر المطاف، تحول هذا السلوك إلى عادة مسلم بها أو متعايش معها، أنتجت أحياء إن لم نقل مدن من العشوائيات”، وتسببت في استفحال “تشوهات الحضرية” منها بنايات بلا تراخيص، واحتلال الملك العمومي، واستنبات الأسواق غير المنظمة.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن تدخلات السلطات، غالبا مع كانت تتخذ بعدا مناسباتيا، “أي في شكل حملات ما إن تبتدأ حتى تنتهي، ليعود الأمر إلى حاله أو يستمر في استفحاله كما كان، وهكذا استفقنا على معضلات ترابية جد معقدة ومتداخلة، من الصعب كبحها وفق منظور واحد فقط، لتداخل عدة عوامل فيها، اجتماعية وقانونية وأمنية، الشيء الذي صعب مقاربات المعالجة وأطال أمدها وتكلفتها لتحولها بالفعل إلى أزمة مزمنة، فتراكم سنوات من الخلل لا يمكن حله بضربة حظ سحرية”.
ومسؤولية استفحال هذه الظاهرة، بحسب الخبير في القانون العام، مشتركة “يتحملها السياسي وممثل الدولة أيضا، أي ممثلو الساكنة وأيضا ممثلو السلطة على مختلف درجاتهم، لكن بدرجات مختلفة و بأبعاد معقدة، فأحيانا تجد بعض المجالس الترابية مجتهدة في ممارسة اختصاصها في إطار الشرطة الإدارية التي تمنحها اختصاص محاربة احتلال الملك العمومي، لكن اجتهادها يقابل بفتور ممثلي السلطة وعدم تفاعلهم مع قراراتها ربما لانهم مستفيدين من الوضع بطرق اخرى”.
تواطؤ منتخبين
وأحيانا أخرى، يضيف رشيد لبكر، نجد العكس، أي أن ممثل السلطة مستعد للقيام بواجبه ولكنه يصطدم بتواطئات أخرى من طرف هذه المجالس، وبالتالي عرقلتها لأي تدخل لتنظيم المجال، وأشار الأستاذ الجامعي أيضا لحالات أخرى للصراع بين ممثلي السلطة والمجالس المنتخبة تكون فرصة لمنتهزي الفرص (باش يقضيو الغرض)”.
وأوضح المتحدث ذاته، أنه من الصعب تحميل المسؤولية لطرف واحد وفي اتجاه وحيد، “وهذا ما جعل الأمر أكثر تعقيدا”، داعيا إلى ضرورة التفكير في طرق جديدة لتنظيم العمل بين الطرفين، “والذي لا يمكن أن يكون في الوقت الراهن إلا مشتركا، بالنظر لاشتغالهما معا على التراب”.
الأستاذ الجامعي للقانون العام دعا أيضا إلى فرض تدابير جديدة للرقابة “من أجل تحديد المجد من المتقاعس، النزيه من الفاسد، المتفاعل من المتراخي”، كما حث على ضرورة تأهيل الترسانة القانونية حتى تكون الاختصاصات الموكولة للمتدخلين أكثر فعالية والعقوبات المقرر ذات قوة ردعية حقيقية”.
ويفترض في رؤساء الجماعات، بحسب القانون المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية أن يفعلوا الشرطة الإدارية التابعة للجماعة لتحرير الملك العمومي، ويصدروا قرارات تنظيمية ويمنحوا أو يسحبوا الرخص المؤقتة، لكن الواقع كشف أن الكثير من المتاجر تحتل الأرصفة بدون تراخيص.
ويتجلى دور السلطة المحلية، ممثلة في شخص القائد أو الباشا، في المساهمة في تنفيذ قرارات تحرير الملك العمومي، كما أن بإمكانها أن تتدخل أحيانا بشكل مباشر، خصوصا عندما يتم المساس بالأمن العام أو تثار فوضى كبيرة. ورغم أن القانون يعطي صلاحيات أكبر للجماعات، إلا أن السلطة تظل هي الفاعل الأكثر حضورا، خلال حملات التحرير.
وتتحمل الجماعات الترابية قسطا كبيرا من المسؤولية في انتشار “مرض” الاحتلال غير القانوني للملك العمومي، الذي نخر الكثير من الأرصفة، والفضاءات العمومية والترفيهية، خصوصا أن بعض الجماعات لا تتوفر على قرارات تنظيمية للترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العمومي، بحسب ما ينص عليه القانون.