مسؤولية الآباء بين التقصير والمساءلة الجنائية: هل اقتربنا من الحل أم من تعقيد الأزمة؟

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أثار وزير العدل عبد اللطيف وهبي جدلاً واسعاً تحت قبة مجلس المستشارين، بعدما طرح فكرة تحويل مسؤولية الآباء من طابعها المدني إلى مسؤولية جنائية في حال تورط أبنائهم القاصرين في حمل السلاح الأبيض. تصريح جاء على خلفية تنامي ظاهرة العنف في صفوف القاصرين، ما دفع الوزير إلى الدعوة لمساءلة الأسر عن تقاعسها في مراقبة أبنائها، مع طرح عقوبات قد تصل إلى غرامات ضخمة أو حتى المتابعة القضائية.

في ظاهر الأمر، يبدو أن الوزير يسعى إلى تحميل الأسر دوراً أكثر صرامة في الحد من انحراف القاصرين، خاصة في ظل حوادث متكررة تتعلق بالاعتداء بالسلاح الأبيض داخل الأحياء والمدارس. لكن في عمق النقاش، تتجلى عدة إشكالات قانونية وأخلاقية واجتماعية قد تجعل هذا الطرح مثيراً للتساؤل أكثر من كونه حلاً ناجعاً.

أول هذه الإشكالات يرتبط بمفهوم “المسؤولية الجنائية” في القانون. فالمبدأ الأساسي في التشريع المغربي، كما في معظم القوانين المقارنة، هو أن المسؤولية الجنائية شخصية، ولا يُسأل أحد عن جريمة لم يرتكبها أو يشارك فيها. فكيف يمكن تحميل الأب أو الأم تبعات جريمة ارتكبها قاصر، دون خرق لهذا المبدأ الدستوري؟

ثم إن إثبات “الإهمال في المراقبة” ليس بالأمر اليسير. هل يكفي أن يكون القاصر خارج البيت بعد التاسعة ليلاً؟ أم أن وجوده في الشارع بسلاح أبيض دليل دامغ على تهاون الوالدين؟ هذه تساؤلات تُظهر هشاشة الفكرة أمام تعقيدات الواقع القضائي.

أما من الناحية الاجتماعية، فإن فرض غرامات تصل إلى 100 مليون سنتيم، كما ألمح الوزير، قد يُعمق الفجوة بين الدولة والفئات الهشة، التي تعاني أصلاً من غياب التوجيه والدعم والتأطير. بدل مقاربتها بعقوبات مالية ثقيلة، ربما كان من الأجدر التفكير في دعم هذه الأسر، لا تجريمها.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار خطورة الظاهرة التي تحاول وزارة العدل التصدي لها. العنف بين القاصرين أصبح مصدر قلق حقيقي، ويستدعي تدخلاً عاجلاً. لكن هذا التدخل ينبغي أن يكون شمولياً: يشمل المدرسة، الجمعيات، مؤسسات التنشئة، والمجتمع المدني، وليس فقط الأسرة التي، في كثير من الحالات، تفتقر إلى الأدوات والوسائل اللازمة للرقابة والتأطير.

في النهاية، مساءلة الآباء جنائيًا عن تصرفات أبنائهم قد تخلق سوابق خطيرة، لا في النص القانوني فقط، بل في التوازن الاجتماعي بأكمله. والحل لا يكمن في قاعة المحكمة، بل في ورش وطني واسع لإصلاح منظومة الطفولة والحماية الاجتماعية.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.